الثلاثاء 7 يناير 2025 09:44 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاته زكريا يكتب : غزة تحت الأنقاض .. عندما يتحول التاريخ إلى وصمة إنسانية

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

في أجواء تعصف بها رائحة الموت وتعلو فيها أصوات الاستغاثة يقف قطاع غزة منذ أكثر من عام تحت وطأة حرب بلا أفق حربٌ تتجاوز كونها صراعا عسكريا لتتحول إلى كارثة إنسانية موثقة في صفحات التاريخ بدماء الأبرياء. مشهد لا يمكن تصوره في القرن الحادي والعشرين.حيث يُذبح الأطفال وتُمحى الأحيا في غياب صارخ للعدالة الإنسانية والدولية.

منذ أن بدأ هذا العدوان لم تتوقف آلة الحرب عن سحق كل ما يمت للحياة بصلة. تجاوزت الغارات أرقام المجازر الكبرى عبر التاريخ ، وتحوّلت غزة إلى مرآة تعكس الوجه الحقيقي لعالم صامت منشغل بحسابات السياسة والمصالح تاركا شعبا بأكمله تحت الأنقاض. المآسي اليومية في القطاع لم تعد مجرد أرقام تُحصى ، بل أصبحت أيقونات للمعاناة تُذكّر العالم بحجم المأساة التي تضرب بقسوتها كل منزل وشارع.

وفي ظل هذا الوضع المأسوي تظهر سياسات الاحتلال الإسرائيلي كنسخة جديدة من الاستعمار ، حيث تُستهدف المؤسسات الأممية كالأونروا، ويُعمل على تهجير الفلسطينيين قسرا وتجريدهم من حقوقهم التاريخية. كل هذا تحت مظلة الحصانة السياسية والدعم اللامحدود من قوى كبرى جعلت من القانون الدولي مجرد حبر على ورق.

المفارقة الكبرى أن الاحتلال رغم جرائمه اللامحدودة، لا يزال عالقا في مستنقع سياسي وعسكري حيث لم تفلح أساليبه في تحقيق الأهداف المعلنة. المراوغات السياسية ومحاولات تبرير الجرائم بحجج أمنية لا تقنع أحدا. بل على العكس، يُظهر المشهد أن نتنياهو وحكومته قد وقعوا في فخ لا مخرج منه؛ فبينما يستمرون في القصف تتعاظم الضغوط الداخلية والدولية مما يجعل الحرب بلا نهاية واضحة.

لكن هذه الحرب لا تمس غزة وحدها؛ إنها اختبار صارخ للإنسانية بأسرها. صمت العالم عن هذه المأساة هو انعكاس لفشل القيم الإنسانية أمام لغة المصالح. كيف يمكن لمجتمع دولي أن ينادي بحقوق الإنسان، بينما يُترك أكثر من مليوني شخص في غزة ليواجهوا مصيرهم المجهول؟ كيف يمكن لمنظمة الأمم المتحدة أن تتحدث عن العدالة، في حين تُستهدف مؤسساتها بشكل متعمد؟

إن غزة ليست مجرد قضية سياسية عالقة، بل هي قضية إنسانية ملحة. كل طفل يُقتل ، كل بيت يُهدم وكل عائلة تُشرد هو شهادة على انهيار النظام العالمي الذي يدعي حماية الضعفاء. لكنها في الوقت ذاته شهادة على صمود شعب رغم كل محاولات محوه من التاريخ والجغرافيا.

عندما تنتهي هذه الحرب عاجلا أو آجلا ، سيبقى هذا العدوان وصمة عار في تاريخ الإنسانية. وستقف غزة شاهدة على الخذلان العالمي الذي جعل الموت خيارًا وحيدًا لشعب بأكمله. ولكن كما علّمنا التاريخ فإن إرادة الشعوب أقوى من أي آلة حرب. غزة ستبقى وستنهض وستُعيد كتابة الحكاية من جديد.

غزة تحت الأنقاض عندما يتحول التاريخ إلى وصمة إنسانية مقالات شحاتة زكريا