الأربعاء 8 يناير 2025 07:07 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتبة والناقدة العراقية إيناس هاشم تكتب عن : عودة محمودة للأسرة العراقية للمسرح لمشاهدة (مسرحية 41 بغداد)

الكاتبة والناقدة العراقية إيناس هاشم
الكاتبة والناقدة العراقية إيناس هاشم

تقدم حاليا على خشبة المسرح الوطني في بغداد ،
تأليف عقيل العبيدي ،إخراج دريد عبد الوهاب،مخرج مساعد أمير البحار.مدرب رقص: اسيل،هندسة الصوت همام حسن هاشم ، إضاءة: غيث زهير ،ديكور محمد النقاش ،أزياء: دريد عبد الوهاب ،تسجيل الأغاني باقر نجاح ،صوت بلال عبد القادر ،الكادر السينمائي والإعلامي لدائرة السينما والمسرحمدير الإنتاج السينمائي والتلفزيوني :علي البصام،تصوير :خالد حميد والفرقة الموسيقية : فرقة علي إسماعيل.
المسرحية شارك في تمثيلها قرابة 40 شخصا ،
محمد حسين عبدالرحيم ،د. حسين علي هارف،عهود إسماعيل،انسام كريم ،حسين الريماس ،إبراهيم جنو.
وآخرون شباب وأطفال.

المسرحية رحلة سحرية إلى الزمن الماضي، واستدعاء لعناصر التراث العراقي القديمة وتجسيد لطبيعة المجتمع العراقي وأعرافه وتقاليده في فترة (1941) في بغداد.
تبدأ أحداث المسرحية بمونولوج الشخصية الرئيسة واستنكارها لواقع الحياة التي يعيشها العراق في الزمن الحالي، ورثاء الزمن القديم التي عاشت فيه طفولتها، ثم تدعو الجمهور للعودة معها عبر الذاكرة إلى زمن الطفولة وبالأخص فترة (1941) في بغداد، ومن هنا يدخل المتلقي في عالم سحري يجسد تلك الفترة الزمنية بكل تفصيلاتها، والتي تبدأ من الإضاءة التي تجعل المتلقي يشعر أنه انتقل من الزمن الحاضر إلى الماضي، ثم ديكور البيوت القديمة وبالأخص البيوت البغدادية ذات الطراز الخاص المعروفة باسم شناشيل بغداد، والأهازيج البغدادية التي تلقئ عند ختان الرضيع، وألوان الثياب وتصميمها والتي تطابق ثياب أجدادنا الموجودة في الصور الفوتوغرافية وطريقة تصفيفهم للشعر ذكورًا وإناث، ورائحة البخور الحقيقية ودخان المبخرة الحقيقي الذي جعل المتلقي يشعر وكأنه جزء من تلك الفترة المختلفة تماماً عن الوقت الحاضر، فضلاً عن إعادة إحياء اللهجة والمفردات المستخدمة آنذاك في بغداد، فهي دعوة لجيل لم يشهد تلك الفترة، وإنما سمعنا عنها من خلال أحاديث وقصص أجدادنا فالمسرحية صورت لنا مجتمعنا القديم تصويرًا دقيقاً بكل تفصيلاته؛ إذ دائماً ما نسمع من أجدادنا عن ذلك الزمن و تسميتهم له بزمن الخير، ولم نعرف ما المقصود من مفردة الخير، حتى شاهدنا المسرحية باعتبارها نقل مباشر وتصوير حي جعلنا نشعر ونعيش بذلك الزمن ونحسه، واستوعبنا مايقصدونه بزمن الخير، هو طبيعة المجتمع العراقي و الفطرة والطيبة وصورة العراق الصغيرة المتكونة من فئتين عرب وكرد، ولا وجود لفئة ثالثة، ومايجمع بين الفئتين هو الدار (حوش الحاج عباس والملقب بالمختار والمسؤول عن تأجير الغرف وحل مشاكل القائمين في الحوش وله شأن عندهم وملجأهم لمايتمتع به من حكمة وطيبة قلب وحب للقائمين في داره أو مايسمى بالحوش باللهجة العراقية) والقائمين هم بائعة الكبة ( الأكلة المشهورة) وابنتها سنية، وعائلة أبو عبود، وعائلة أم بروين (الكرد) وعرفنا قوميتها من خلال لهجتها الكردستانية وبالأخص عندما يتكلمون العربية؛ إذ يشيرون للمذكر بإشارة المؤنث والعكس وهذه دلالة النقاء الذي يتمتعون به ، وعائلة أبو ناظم (ناظم صاحب الطيور ويسمى في العراق المطيرجي إشارة إلى مراقبته للناس لأنه دائماً ما يكون على سطح البناية لمراقبة الطيور وتلقائيًا تكون المراقبة للناس المتواجدين تحت والذي أصبح سهل له رؤيتهم) ، وبيت الدكتور نور من محافظة الموصل ويدرس الطب في بغداد وحبه للكتب ويقينه بماهو مكتوب فيها، وعائلة المختار (صاحب الدار الحاج عباس) ، وتبدأ أحداث المسرحية من قصة الحب بين الدكتور نور وسنية ابنة بائعة الكبة، وخروجها متخفية وحديثها المباشر مع الجمهور جعلت الجمهور يندمج معها وخوفهم عليها وتنبيها بأن ناظم قد رآها وسمع حديثها عن الدكتور نور، وبسبب فضوله وغيرته من الدكتور نور أحدث ضجة خرج على اثرها جميع الساكنين في الدار وتداخلهم مع بعضهم في حوارات مشحونة تجمع بين الفطرة والفكاهة لإمتاع الجمهور والإحساس بطيبة المجتمع آنذاك وبساطة أفكارهم وعلاقتهم الإجتماعية التي تصور العراق وكأنه عائلة متماسكة، حتى دخول الإنجليز لبغداد عام (1941)، وعلمنا بدخولهم من خلال أصوات الغارات والمدافع والاطلاقات النارية، ودخول نجم فتاح الفال (الساحر) أو مايسمى بلهجة أهل بغداد الفوال المستخدمة في المسرحية، وتنبيه المختار بالشر القادم إلى أهل الدار، والملفت إن الذي قام بهذا الدور هو المخرج دريد عبدالوهاب، وتتصاعد الأحداث من خلال أمراض التفرقة وتجزئة الناس إلى مسلم وغير المسلم، والمسلمين أيضا ينقسمون إلى جزئين وهذه التجزئة قد سببتها الحروب والاحتلالات الأجنبية، لأن في الوحدة قوة تغلبهم، وبدأت ظهور أعراض هذه الأمراض على مثقفين البلد فالدكتور نور مايمنعه من الزواج بسنية هو الأعراف الدخيلة ولايحق له الزواج من سنية، حتى اخذ يشكك بثقافة الكتب المكتوب فيها، باعتبار الأعراف الدخيلة قد غلبت الثقافة، وسنية بدورها اصبحت باهتة اللون ثيابها سوداء تندب حظها للجمهور والجمهور بدوره تعاطف معها والدموع تغمر عيونهم، لأنها نجحت بإثارة عاطفة الجمهور وشفقته عليها، ثم تبدأ ذروة الأحداث باستغلال ناظم لأوضاع البلاد المضطربة وخلوه من السلطة والقانون وتفشي الفساد وكثرة السرقة، وناظم هو الذي مثل هذا الاضطراب الذي مرَّ به البلد آنذاك، وقام بجمع الشباب ( هذه الفئة يطلق عليها سابقاً لقب الخوشية الذين يحملون السلاح أو السكاكين ويختلقون المشاكل مع من يعارض رغباتهم) فيقوم بسرقة جيرانه تارةً، ويصر على الزواج من سنية وتهديد المختار بالقتل تارةً أخرى،
لأنه عارض رغبته من الزواج بسنية وتنتهي ذروة الحدث بإطلاق ناظم الرصاص على والدته بالخطأ بسبب المشاحنات بينه وبين الدكتور نور، وبعد أن سال الدم في هذا البيت الطاهر بأهله وطيبهم وتعاون الجميع على نقل أم ناظم إلى المشفى والدعاء لها والخوف عليها، فرجعت للدار سالمة ومعها الجميع، وعادت البهجة والسرور لأهل الدار، وعادت بسمة وفرحة الجمهور معهم، ونخرج بعد ذلك من ذاكرة الشخصية الرئيسة وذلك الحلم الجميل والحقيقي، لنعود إلى الزمن الحاضر، ووصية الشخصية الرئيسة للجمهور والحديث إليهم مباشرةً بأن وطنكم هو داركم فلا تدعوا التفرقة تكمل مجراها والوطن هو أغلى من الدم، فحافظوا عليه، لذلك فمسرحية (41 بغداد) هي لوحة فنية من السحر رسمها ساحر متمكن ومتيقن من عمله، استطاعت السفر بالمتلقي عبر الزمن، وهي رسالة تحمل التوعية وتسليط الضوء على طبيعة المجتمع العراقي وقدرتهم على التخطي و الاستيقاظ مجددًا بعد كل سقوط، فضلاً عن مايميز هذه المسرحية هي دعوتها لعودة العائلة إلى المسرح بعد غيابها الطويل الذي سببته المسارح التجارية، التي لاتناسب طبيعة المجتمع العراقي، وبذلك فالمسرحية قد نجحت بربط الفن بالمجتمع، لذلك بإمكاننا أن نصفها بالفن الحقيقي أو اللوحة الفنية الحقيقية للعراق في ذلك الزمن، وهذا بفضل قدرة المخرج على الإمساك بالأطراف المكونة للعمل ونجاحه بنقل المتلقي نقلة سحرية من خلال المؤثرات كالموسيقى والأغاني القديمة وطريقة رقص الأطفال في خيال الدكتور نور وسنية والرقص كان يشبه إلى حد ما طريقة رقص الفراشات، التي جعلتني كمتلقية أشعر وكأني في عالم خيالي مع الدكتور نور وسنية، فضلاً عن كون المسرحية قد قدمت مجاناً للعائلة العراقية، والعوائل بدورهم تفاعلوا مع هذه الدعوة وبذلك استقطب المسرح الوطني جمهور كبير جداً في كل يوم تعرض فيه المسرحية، جمهور لم نشهد حجمه في باقي المسرحيات في الآونة الأخيرة، شكراً لهذا العمل المميز الذي أعاد العائلة العراقية للمسرح، ويستحق أن يطلق على المسرحية اسم ( عودة العائلة للمسرح).

الكاتبة والناقدة العراقية إيناس هاشم عودة محمودة للأسرة العراقية للمسرح (مسرحية 41 بغداد)