الأديب السوري د.عدنان نوفل يكتب : النهر و السواقي
الجارديان المصريةليحمي خراف القرية صنع رجل أسدا من خشب و وضعه عند مدخلها و الحق يقال ان الضواري لم تعد تهاجم القرية، و فرح الأهالي كثيرا وتحول المجسم الخشبي الى مزار يقصده البعض تبركا ويقصده البعض الآخر خوفا من لعنة الأسد فلقد أقسم البعض أنهم رأوه يتجول بين البيوت ليلا، وانه كان يختطف بعض الخراف أحيانا و رويدا رويدا ترسخ في أذهان الأهالي أن الحياة تدب في الأسد الخشبي ليلا و لذلك لم يعد أحد يجرؤ على الخروج من بيته ليلا و تحولت احاديث السكان الى وشوشات خوفا من يصادف مروره جانب بيوتهم ليلا فينقض عليهم ومع مرور الوقت صار الناس يمتنعون عن الكلام ليلا خوفا من غضب الأسد و عندما أصيب أحدهم بالعمى أقسم جهد ايمانه أنه قد اخطأ ونظر في عين الاسد مباشرة عندما لمحه ليلا بين البيوت و بمرور الوقت بدأ الناس يتحاشون المرور بجانب التمثال المنتصب عند مدخل القرية أو النظر ناحيته، و فتحوا بابا في سورها بعيدا عن التمثال و بعد أيام اكتشف الأهالي أن المخرج الجديد قد سُدّ بالصخور و سرت الشائعات أن الأسد من فعلها لأنه لا يريد لأحد منهم أن يخرج أو يدخل للقرية دون علمه فاقترح أحدهم أن يضعوا عند قاعدة التمثال سجلا تدون فيه اسماء كل من يعبر البوابة لا بل رأي البعض ضرورة استئذان الأسد قبل الدخول والخروج و قبل تقرير القيام بأي نشاط في القرية ومن يومها غدا تقديم الهدايا للتمثال من قبل الاهالي قبل ايام من القيام بما يريدون طقسا اجباريا فمن اختفت هديته فهي علامة الموافقة ومن تركت هديته فهديته غير مقبولة و عليه تقديم هدية أكبر وأن يركع و يتذلل عند قوائم التمثال، و يوما بعد يوم غدت الشوارع واجمة حزينة واهمل الفلاحون زراعة اراضيهم و في ليلة ظلماء اهتزت الأرض زلزالها وتفجر من الجبال نهر عظيم و أسقط التمثال و حمل حطامه بعيدا وغمرت المياه أراضي القرية تنفس الاهالي الصعداء و سجدوا لله شاكرين وانطلقت الزغاريد وقامت الافراح ، لكنهم و جدوا أنفسهم أمام حقيقة أن أراضيهم الجرداء التي اهملوها زمنا قد حولتها المياه المتدفقة الى مستنقعات موحلة.
قال ألأول : أتحتفلون بالمياه التي غمرت أرضكم،.
رد الثاني : أحدهم نحن نحتفل بزوال كابوس الأسد، أما المياه المتدفقة فسنحفر لها السواقي والترع و سنحول هذه الأرض الى حقول خضراء. مزروعة بالحب والأمل.
رد عليه الأول : واذا فشلنا.
رد عليه الثاني : سنحاول ما استطعنا الى ذلك سبيلا مرارا و مرارا و مرارا بإرادة صادقة وهمة كبيرة و لكن عندما نجد أنفسنا أمام حقيقة استحالة تحويل ذلك النهر المتدفق الى سواق عندها سنحفر للنهر مجرى جديدا بعيدا عن حقول قريتنا فلطالما كنا نعتمد على الأمطار و لم يكن لدينا قبلا أي نهر.
رد الأول : وماذا لو رحل النهر
رد الثاني : قلت لك لطالما اعتمدنا على المطر وان احتجنا سنحفر الآبار وإن لم تكفي سنروي تربتنا بالعرق و الدم والدموع لترجع خضراء من جديد.
-قال الاول : وهل وجد احد حطام التمثال الخشبي
قال الثاني :اننا نبحث عنه و عندما نجد تلك الأخشاب سنحرقها في ساحة القرية
-قال الأول :لا أعتقد أن الأمر يستحق العناء.
-رد الثاني: نحن لا نحرق تمثالا خشبيا بل نحرق بقايا الخوف في اعماق الناس وهذا يستحق العناء.