السبت 11 يناير 2025 12:13 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُق:

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ هذه الجملة شطر من حديث نبوي حَسَن الإسناد؛ يقول فيه النبي: «إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ»، وفي رواية «وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ» بلام الأمر أي سَعُوهم بكذا وكذا، والمعنى أنكم لا تستطيعون أن تكسبوا الناس بأموالكم مهما كثرت، لكن تمتلكونهم بما لا يكلِّفكم شيئا: وجْه بشوش وخُلق حسَن، أي تكسبون الناس بحُسْن المقابلة وطِيب المعاملة، والأجمل أن يمتلك المرءُ الناسَ بماله وخُلقه معا! فيكون كريما بشوشا حَسَن التعامل، فإن غاب المال أغنى عنه الخُلق، لكن إن غاب الخُلق لا يغنِ عنه المال، وكان النبي نموذجا يُحتذَى في ذلك، فلم يستطع كُبراء قريش أن يكسبوا النبي بأموالهم؛ حيث قال: «واللهِ لَو وَضعوا الشَّمسَ في يميني والقمرَ في شمالِي علَى أن أتركَ هذا الأمرَ ما تركتُهُ حتَّى يُظهرَه اللهُ أو أهلِكَ دونه»، بينما كسب النبي قلوب الناس وثقتهم بحُسن خُلقه وبشاشة وجهه؛ فكان كل من يلتقي به يشعر أنه أحبُّ الناس إليه، يقول أحدهم: «مَا رأيتُ أحَدًا أكثرَ تبسُّمًا مِن رسولِ اللهِ»، ويقول آخر: «مَا حَجبَني رسولُ اللَّهِ منذُ أسلمتُ، ولا رآني إلَّا تبسَّمَ»، ولما سأل النجاشي سيدنا جعفر: «مَا هذا الدين الذي فارقتُم فيه أرضَكُم؟ قال جعفر: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ المَيْتَةَ، وَنَأْتِي الفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيئُ الجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ عبادة الأصنام، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالكَفِّ عَنِ المَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ اليَتِيمِ وَقَذْفِ المُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ، فقال النَّجَاشِيّ: إنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشكَاةٍ وَاحِدَة»، وأسلم النجاشي، فلما مات صلى النبي عليه صلاة الغائب.
ــ إن بشاشة الوجه وحسن الخلق من القيم الإنسانية المؤثرة في بناء المجتمعات وصناعة الحضارات، ففتح المسلمون بلادا كثيرة بحسن أخلاقهم في تعاملهم مع أهلها، وكان من عوامل هزيمة أوربا في الفتح الإسلامي فساد أخلاقهم؛ وهذا يفسر لنا مدى حرص النبي أن يتحلى المسلم بحُسن الخلق وبَسْط الوجه، فقال: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ»، وقال: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»، وقال: «أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن»، وقال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ» أي قريب من الناس يسهل التعامل معه، وقال: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ»، فالمؤمن أليف يحب الناس ويحبونه، فإن لم يكن متآلفا فليس بمؤمن، والموطئون أكنافا: تعبير مجازي مأخوذ من قولهم: دابة موطَّأة الكَنَف أي ممهدة لصاحبها لركوبها، وهو يدل على أن المؤمن سهل ليِّن مع الناس.
ــ من أسمى مكارم الأخلاق العبودية الخالصة لله، قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}، «قيل لرسولِ اللهِ: أيُّ الأديانِ أحبُّ إليكَ؟ قال: الحنيفيةُ السَّمْحَةُ»، فالحنيفية تعني التوحيد، والسمْحة تعني الرفق واللين في العلاقة بين الناس؛ لذا قال العلماء: «من زاد عليك في الخُلُق زاد عليك في الدين»، وأبرز مظاهر حسن الخلق استقامة اللسان، فهو أكثر الجوارح تأثيرا في المجتمع نفعا وضرًّا؛ لذا قال النبي: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"؛ فينبغي استخدام اللسان في الصدق وحسن الحديث وإفشاء السلام ونشر العلم وتجنُّب الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والفحش واللغو، فرُبَّ كلمة تهوي بصاحبها في عمق جهنم لتأثيرها السيء في المجتمع، ورُبَّ كلمة يرفع الله بها صاحبها درجات عليا لطيب أثرها في المجتمع، فاتقوا الله وتحلَّوا بحسن الخلق وبسط الوجه، وادعوا دعاء النبي «اللَّهُمَّ كَمَا أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي».