الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : جائحة الثناء المسرف والمدح الكاذب .
الجارديان المصريةإحدى المدلهمات والجائحات الاجتماعية الموجودة بكثرة في حياة الناس اليوم آفة المبالغة في التمادح .!!
فكثير من الناس ( علي العموم ) ومن الإعلاميين ( علي وجه الخصوص ) إلا ما رحم ربي ، يطلقون ألفاظ المديح والثناء ويكيلونها لكل أحد حتى ولو لم يكن أهلاً لها، ويكون حجم التمادح مرتبط بقدر المصلحة , وهذا أمر لا يحتاج للتأكيد ، لأنه مؤكد بالطبع !!.
ثمة نقطة جديرة بالابتداء بها ، ألا وهي ، إنه يوجد فرق كبير بين الاسراف في الثناء ، وبين المدح الكاذب ، فالاسراف في الثناء علي إنسان ( فاضل فعلاً) - فرغم كونه فاضلا ـ إلا أن فيه ضرر بليغ ، لا سيما إن كان الممدوح ضعيفا ولربما اغتر بالمدح ، هذا الفعل علي جرمه لايتساوي (البتة ) مع مدح إنسان لعلة ما وإطلاق ألفاظ وصفات عليه ليست فيه ولا يستحقها من الأصل ، ويزداد الجرم بمقدار محاولة تجميل العيوب و قلب سيئاتهم إلي حسنات ، بغية خدعة أنفسهم ، والتغرير بذواتهم ، طمعا فيما بين أيديهم !!
هؤلاء لاشك يجوز أن يطلق عليهم المداحين الضالين المضلين ، لأنهم يجملوا القبائح ، ويحسنون الأخطاء!!
وعليه ؛ فالاسراف في مدح ( الفضلاء) منهي عنه خشية التأثر به ، لذا جاء في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، فقال رجل: يا رسول الله ما من رجل، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل منه في كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك قطعت عنق صاحبك، (أي أهلكته، وهذه استعارة من قطع العنق الذي هو القتل)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان أحدكم مادحا أخاه، لا محالة، فليقل: أحسب فلانا، إن كان يرى أنه كذلك، ولا أزكي على الله أحدا. متفق عليه.
هذا بالنسبة للرأي والمدح العارض الذي يأتي دون قصد أو حرفة أو سلوك عام أو نهج دائم .
أما إذا كان ديدنا وطبعا فلا ينفع معه الإشارة له بأنه قطع رقبة صاحبه ، بل أمرت السنة الشريفة بحثو وجه القائل بالتراب ، كما جاء في الحديث الشريف : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب. أخرجه مسلم.
فعن همام بن الحارث أن رجلاً جعل يمدح عثمان ، فعمد المقداد أحد الصحابة وكان جالساً في المجلس فجثى على ركبتيه وكان رجلاً ضخماً، فجعل يحثوا في وجه المادح الحصباء، وهي الحصى الصغير مع التراب، فقال له عثمان: ما شأنك؟ ماذا جرى لك؟ فقال: إن رسول الله ﷺ قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب " رواه مسلم."
ومن أجمل صور تطبيق هذا الحديث في هذا العصر ، ما قاله أحد الصالحين: بأن تأخذ كفاً من تراب وترمي به بين يديه، ليس في وجهه فتعمي به عيناه فتحاسب وتحرم ، وإنما ترميه أمامه، تلميحا وتوبيخا ورفضا لما يقول .
أعلم أن جل الناس تحب المدح وكثيرا منهم يحب الثناء ويحب الظهور بين الناس ، ولربما كان محفزا له علي مزيد من الأعمال المفيدة !؟ فإذا كان لا بد لهم بشيء من هذا ، فألفت نظرهم إلي كون الدعاء لهم علي صناعة المعروف الذي قدموه أولي لهم و أبلغ من المدح والثناء . فلربما خالط ذلك بقلوبهم فينجرف بهم الي ما لا يحمد عقباه .
وما يؤكد ذلك ما قاله الحسن رضي الله عنه: كان عمر رضي الله عنه جالسا ومعه الدرة والناس حوله إذ أقبل الجارود بن المنذر، فقال رجل: هذا سيد ربيعة، فسمعها عمر ومن حوله، وسمعها الجارود فلما دنا منه خفقه بالدرة، فقال ما لي ولك يا أمير المؤمنين، قال ما لي ولك، أما سمعتها؟، قال: سمعتها، قال: خشيت أن يخالط قلبك منها شيء فأحببت أن أطأطئ منك.
من هنا يمكن البناء علي خطورة الاسراف في الثناء ، والمدح الكاذب .
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد ، الإشارة إلي ما هو اشر من الاسراف في الثناء والمدح الكاذب ، ألا وهو القدح الخسيس الذي بنتهجه البعض وتنطق به بعض الألسنة ذات الشمال وذات اليمين ،، ذما لهذا وافتراءا علي ذلك ، يقرضون الأعراض والحرمات بتبجح سافر ويتطاولون علي الكرام حتي يرهبهم الكثير من الناس ، وهؤلاء دائماً متدثرين ببعض القوي التي تقف خلفهم وتأمنهم ، هؤلاء القارضين لأعراض الناس القادحين لغيرهم ، صورهم القران في ابشع صورة ' قال تعالي في شأن هؤلاء المنافقين :" فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد " صورة معبرة في أنصع وأوضح تعبير عن خطورة الألسنة المنافقة التي تقرض الناس وتتبع العورات وتشيع الفاحشة . وتتمني ذيوع الهرج والخروج علي ثوابت القيم .
فلينظر كل منا ما يقوله . ثناءا ومدحا وقدحا ، فلا يقول إلا الحق . ولا يكون لسانه كالمبرد يؤذي به عباد الله ، ولا يكون كالحية الرقطاء تنفث سمومها في أجساد الخلائق.