الكاتبة العراقية إيناس هاشم تكتب عن: مسرحية (نساء لوركا)
الجارديان المصريةعرضت خارج المسابقة الرسمية في مهرجان المسرح العربي 2025الذي اقامته الهيئة العربية للمسرح بدورته الخامسة عشر ،في عمان مسقط .
من تأليف واخراج:عواطف نعيم .
وتمثيل : شذى سالم ، د. اقبال نعيم ،سمر محمد ، فاطمة الربيعي.
وأول من كتب فكرتها هو الكاتب المسرحي ( فيديريكو غارثيا لوركا) ضد التقاليد البالية للمرأة في اسبانيا قديمًا ، وقد عرضت على خشبة مسرح قصر الثقافة السوري ( ٢٠٢١) في مدينة حمص ،واخراج ( حسين ناصر )
وبكل مرة تعرض فيها المسرحية تجسد جانب من جوانب حياة المرأة ودورها المهمش في المجتمعات ، ثم أعادت تأليفها واخراجها الدكتورة عواطف نعيم ، لتجسد فيها دور المرأة المهمش المرأة العراقية والعربية بصورة عامة، ودور التقاليد البالية ضد المرأة وتحقير كينونتها كإنسان ،وتضليل دورها ، والعنف والاضطهاد الذي تعانيه المرأة اليوم في ظل المجتمع الذكوري ،وتقاليده التي تهمل تطبيق العدالة السماوية بحق المرأة، وترشح قوانين الاختلال في التوازن مابين المرأة والرجل ، اي مابين ذكرٌ وأنثى ، فالنساء في نظر المجتمعات الشرقية هي المخلوق الضعيف الذي يجب أن يكون مكانها البيت والإنجاب وإعداد الطعام وإرضاء الآخر على حساب نفسها ، فضلاً عن سكوتها على عيوب وقصور الآخر .
ومنعها من إتخاذ القرارات ،وتمنع من ممارسة هويتها ومشاركة أفكارها ؛ فهي ليست أكثر من عيب في بعض المجتمعات ،صوتها عورة ،جسدها عورة ، وحتى أفكارها عورة ، وبذات الوقت هي الجمل الذي يتحمل الكثير وتنهال عليه الأحمال وما عليه إلا السير في الصحراء ومشقتها ؛ لذلك نجد المخرجة جعلت كل مافي المسرح من تقنيات والإضاءة والحوار والديكور والأزياء في خدمة هذه الفكرة ( فكرة تهميش المرأة ودورها) فالديكور عبارة عن ستائر يسطع عليها لونين من الإضاءة ، والستائر رمز للستر ، اي اخفاء وتظليل ،والإضاءة ذات اللونين هي رمزاً لثنائية الظهور والخفاء ،اي ماهو ظاهر للمجتمع وما هو مخفي ، أو مايريد المجتمع اظهاره واخفاؤه ،ورمزية الثياب السوداء واختلاطها مع ظلام المسرح فهي دلالة على التظليل لدور المرأة وغض النظر عن ما تعانيه من سلب وتحقير لكينونتها كإنسان ، فالصوامت المتمثلة بالديكور والإضاءة والأزياء اصبحت في مسرحية ( نساء لوركا) تتكلم وترمز عن خبايا المجتمع وتقاليده ضد المرأة ، فضلاً عن الحوار بين الشخصيات المتكونة من أربع فتيات والأم ، الشخصية الرئيسة هي برناردا الأم الأرملة او المتحكمة في البقية ، وهذه الشخصية وحوارها هي التي جسدت تقاليد وعادات المجتمع ،وبالأخص عندما تبدأ بإعطاء التعاليم لباقي الشخصيات ، مثلاً قولها : لتعملن جميعاً إن الحداد قد بدأ ، وينبغي أن لايدخل خلال هذه الفترة من نوافذ وأبواب هذا المنزل حتى الهواء ،اعتبرن نوافذ هذا البيت مسدودة ، لا مخرج ولامدخل ،وليس لأحد في هذا البيت أن يعمل إلا ما آمر أنا به ، واشغلن انفسكن في صنع ثياب الزفاف او الكفن ، فالنساء لاعمل لديهن سوى خيط وإبرة، ولا خيط ولا إبرة.
اما الفتيات ،فالاولى وهي ماريانا التي تنظر لنفسها كشيء معدوم ، او كالشجرة التي تستطاب من خلال ثمارها وليس لجمال خضارها وأوراقها اي وجود ، فهي تحيك وتظرز راية الحرية على أمل أن يحميها ابنها الذي انجبته ، فلولاه لكان وجودها معدوما فكينونتها مستمدة من كونها أم فلان ،أي انجابها لذكر ، أما الثانية فهي آل العانس التي اندثر وجودها وضاع ،لأنها لم يحصل لها نصيب الزواج في ظل المجتمع وتقاليده ، والثالثة العاشقة التي تأبه الظلام وضياع شبابها كافعلت الاخريات وتتأمل أن يأتي فارس احلامها وهو يمتطي جواده ، وينصحنها الأخريات بأنها لم تتزوج منه لأنها لاتمتلك سوى الحب؛لذلك سيتزوج بمن لها جاه وجلال بدل منها ،فهي تنفي كينونتها وترى جمالها ووجودها من خلال وجود الآخر ومن دونه في لاشي ، والرابعة زوجة رجل عقيم ،والمجتمع لايعيبه لانه رجل ( ذكر ) بينما يعيبها على عدم انجابها للأطفال ؛لذلك تنظر لنفسها ولجسدها بأنها مخلوق وظيفته إنجاب الأطفال وتغذيتهم ولم تخلق لغير ذلك ،وما عليها إلا الاستسلام للمصير الذي ينص على محو ملامحها ووجودها واحترامها ، وأن تبقى مع رجل عقيم فليس بيدها حيلة غير الخضوع للواقع المرير الذي فرضته التقاليد ؛ لذلك نلاحظ الشخصية تردد عبارة : إن لم يكن لي طفل فلا مضيء لهذا العالم .
إن شر عقاب يصيب المرأة هو أن تولد امرأة، فضلا عن وصفها لأعضاء جسدها كما لو إنها تصف نباتاً قد خلق ليثمر لينال الرضا . فالشخصيات هي التي جسدت احداث المسرحية في بدايتها خوف وصمت ، ثم مطالبة ماريانا بالحرية ورفض الواقع حتى الوصول إلى ذروة الأحداث وهي ضرب برناردا مع تكرار عبارة : جسدي ليس مجدٍ ودمي مجنون ، حتى مات برناردا وتغشيتها براية الحرية الحمراء ، لتنتهي ذروة الاحداث بخضوع احداهن وتقبلها العيش مع رجل عقيم ، لتعيد عبارة برناردا : لتعلمن جميعاً إن الحداد قد بدأ... ، مع خضوع البقية وخوفهن ورعبهن لما تقوله الأرملة الجديدة ، وبهذا فلا مفر من هذه التقاليد والنظرة الدونية للمرأة ، فالمسرحية هي رمزاً واقعياً يدل على سيادة التقاليد ضد المرأة وتهميشها .