الأربعاء 22 يناير 2025 06:43 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : وبعد الحرب حرب أخرى ينتظرها الغزويون

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

لا تكاد تنتهي حرب في قطاع غزة حتى يبدأ الحديث عن حرب أخرى. منذ سنوات طويلة، يعيش أهل غزة في دوامة من الصراع والدمار المستمر، حيث تصبح الحرب في كل مرة فصلًا جديدًا في قصة معاناة لا تنتهي. ومع اندلاع الحرب الأخيرة، التي خلفت وراءها العديد من الضحايا والدمار الهائل في جميع جوانب الحياة، أصبح السؤال الأبرز في أذهان الكثيرين: كيف سيعيش أهل غزة بعد هذه المحنة؟ وهل سيكون هناك أمل في غدٍ أفضل، أم أن الحروب لن تتوقف أبداً؟

الحرب الأخيرة: مذبحة إنسانية ودمار شامل

تجسد الحرب الأخيرة على قطاع غزة فظاعة النزاعات العسكرية في منطقة تعاني أساساً من الفقر والحصار المستمر. الهجمات الجوية والبرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي دمرت آلاف المنازل، وأسفرت عن سقوط مئات الضحايا من المدنيين، بينهم العديد من النساء والأطفال. بينما شهدت البنية التحتية في القطاع دماراً هائلًا، فانهارت المستشفيات والمدارس، ودمّرت الطرق والمرافق الحيوية التي كان يعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية. هذا الدمار لم يقتصر على المباني فحسب، بل شمل أيضاً الكثير من الموارد الأساسية مثل المياه والكهرباء والاتصالات، مما جعل الحياة في غزة أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

وبالرغم من الهدنة التي تم الإعلان عنها بعد تصعيد العنف، إلا أن الجراح لم تلتئم بعد، وبقيت آثار الحرب واضحة في كل زاوية من زوايا القطاع. أما الجرح الأعمق فقد كان في نفوس الأطفال والشباب، الذين نشأوا في بيئة لا يعرفون منها إلا الحرب، وسمعت آذانهم أصوات الانفجارات والذخيرة، ما جعل الكثير منهم يعانون من صدمات نفسية يصعب تخفيفها.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية: واقع مرير

بعيدًا عن الصراع العسكري المباشر، كان للدمار الكبير الذي شهدته غزة تأثيرات اجتماعية واقتصادية عميقة. منذ سنوات طويلة، يعاني أهل غزة من الحصار المفروض عليهم، مما جعل الاقتصاد المحلي في حالة ركود دائم. الحرب الأخيرة لم تزد الأمور إلا سوءًا، إذ تسببت في تفشي البطالة والفقر. كان العديد من الأشخاص يعتمدون على الوظائف التي تم تدميرها خلال الحرب، مما دفع الكثيرين إلى البحث عن سبل أخرى للبقاء على قيد الحياة.

أما في الجانب الاجتماعي، فقد زادت معاناة العائلات التي فقدت أحبائها أو تعرضت لمنازلهم للتدمير. ومع تدمير مئات المنازل، بات الكثير من السكان مشردين، يقيمون في مخيمات أو في منازل مؤقتة، الأمر الذي أدى إلى ضغط إضافي على الخدمات العامة والبنية التحتية المتدهورة. هذا الوضع أسهم في تفشي حالات الاكتئاب والقلق، وزيادة الأعباء النفسية على السكان.

العملية الإنسانية: إعادة الإعمار والتحديات

في الوقت الذي انطلقت فيه محاولات إعادة إعمار غزة بعد وقف إطلاق النار، كان الطريق نحو التعافي مليئًا بالعقبات. فعملية إعادة البناء لا تقتصر على إعادة بناء المنازل والطرق فقط، بل تشمل أيضًا بناء مؤسسات تعليمية وصحية قادرة على تقديم الخدمات لأكثر من مليوني نسمة يعيشون في القطاع. ومع تعقيد الظروف الاقتصادية والاعتماد الكبير على المساعدات الدولية، فإن عملية الإعمار تواجه تحديات كبيرة تتعلق بتوافر الموارد المادية والتمويل الكافي.

لكن التحديات الأكبر كانت في إعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات، حيث أن العائلات التي فقدت ممتلكاتها وأحبائها تجد صعوبة في التكيف مع الوضع الجديد. إضافة إلى ذلك، فإن انعدام الأمن والاستقرار السياسي يعوقان عملية التنمية والتقدم في غزة. الحرب ليست فقط جسدية، بل هي أيضًا حرب ضد الأمل، وحرب ضد المستقبل.

التعليم والصحة: تحديات مستمرة

قطاعا التعليم والصحة هما من أكثر المجالات تأثراً بالحروب المتكررة في غزة. المدارس تعرضت للدمار أو تضررت بشكل بالغ، مما جعل من الصعب توفير بيئة تعليمية مناسبة للأطفال الذين يعانون أصلاً من الظروف المعيشية الصعبة. هذا التأثير السلبي طال الأجيال القادمة، التي كانت تأمل في الحصول على تعليم أفضل لتحسين أوضاعها المستقبلية. كما أن العديد من الأسر لم تعد قادرة على توفير احتياجات التعليم الأساسية لأطفالها بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية.

أما القطاع الصحي، فقد كانت الحرب ضربة قاصمة له. المستشفيات والعيادات الصحية تعرضت للهجوم، ما أثر على قدرة النظام الصحي في القطاع على التعامل مع حالات الطوارئ والإصابات. مع نقص في الأدوية والمعدات الطبية، أصبحت الرعاية الصحية رفاهية يصعب على كثير من المواطنين الحصول عليها. المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة لم يعد لديهم القدرة على تلقي العلاج المناسب، ما يزيد من معاناتهم.

الآمال المستقبلية: بين الأمل واليأس

في ظل هذه الظروف، يظل الأمل هو ما يتمسك به أهل غزة. فعلى الرغم من الدمار المستمر والحروب المتتالية، تبقى إرادة الحياة قوية في قلوبهم. العائلات التي فقدت منازلها وأحبابها تستمر في إعادة بناء حياتها من جديد، وتواصل المجتمعات المحلية تقديم الدعم والمساندة لبعضها البعض. ومع مرور الوقت، يبقى الأمل في الوصول إلى تسوية سلمية توفر الأمان والاستقرار لأهل القطاع.

لكن يبقى السؤال: هل يمكن أن تتحقق هذه الآمال في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها السكان؟ وهل ستظل الحروب تتوالى واحدة تلو الأخرى، أم أن هناك فرصة حقيقية للسلام؟ الجواب يظل مفتوحًا، ولكن ما يظل ثابتًا هو أن أهل غزة لا يزالون يقاومون، ويبحثون عن طريقهم نحو غدٍ أفضل رغم كل ما يعترضهم من صعاب.

خاتمة

بعد كل حرب، يتبعها دمار وآلام، لكن بعد كل دمار، يبقى الإنسان القوي الذي يعيد بناء نفسه وأرضه. غزة، بشعبها الصامد، تبقى مثالاً حيًا على إرادة الحياة رغم كل الحروب. ما لم تتوقف الحروب، فإن أهل غزة سيظلون يحملون أمل إعادة بناء حياتهم، وكلما زاد الدمار، زاد إصرارهم على العيش بكرامة.