الأربعاء 22 يناير 2025 08:13 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول (لماذا لم تبارك إدارة الشرع لـ”حماس”)

الكاتب الكبير خالد درة
الكاتب الكبير خالد درة

لم تعلّق الإدارة الجديدة في دمشق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لا سلباً ولا إيجاباً، لكنها سارعت إلى تهنئة دونالد ترامب بعد ساعات قليلة من أدائه القسم لولاية جديدة. وتكشف هذه المفارقة في أداء المسؤولين السوريين القادمين من خلفية إسلامية فيها أكثر من قاسم مشترك مع "حماس"، كما فيها أكثر من سبب لتوجّس واشنطن منها، عن بعض توجهات الإدارة الجديدة على صعيد السياسة الخارجية ..

وتركت هذه المفارقة انطباعاً واضحاً بأن الإدارة الجديدة وجدت نفسها تحت وطأة شروط ومطالبات جعلتها تميز في الاهتمام بين بعض الملفات الخارجية وفق معايير مصلحية خاصة بها، إذ أصبح معيار اهتمامها بأي ملف هو مدى علاقته بتحسين صورتها أمام الخارج أو إكسابها نقاطاً أمام بعض الدول ..

وكانت "حماس" أصدرت بياناً بعد سقوط الأسد باركت فيه للشعب السوري "الشقيق" نجاحه في تحقيق تطلعاته نحو الحرية والعدالة، ودعت كل مكوناته إلى توحيد الصفوف وإلى مزيد من التلاحم الوطني. لكن هذا لم يكن كافياً على ما يبدو لدفع "هيئة تحرير الشام" إلى رد التحية بمثلها وإصدار بيان تبارك فيه للشعب الفلسطيني اتفاق وقف إطلاق النار أو تهنئة "حماس" على ما اعتبرته "نصراً" لها ..

ولا يمكن الاستناد إلى أن المصالحة التي تمت بين "حماس" والنظام السوري السابق هي وراء تمنع الهيئة عن إصدار بيان التهنئة. لأن من المعلوم أن أدبيات "هيئة تحرير الشام" زاخرة بما يبرر لـ"حماس" تحالفها حتى مع إيران وليس مع النظام السوري فقط. فقد أبدى عبد الرحيم عطون، وكان يشغل منصب المفتي العام للهيئة، قبل سنتين، تفهمه حالة الضرورة التي اضطرت "حماس" للاستقواء بإيران في ظل انقسام الموقف العربي وسط حصار مطبق على غزة منذ سنين، مشدداً على أن "حماس" لن تكون شيعية ..

والأرجح أن امتناع "هيئة تحرير الشام" عن مخاطبة "حماس" بمناسبة وقف إطلاق النار جاء بسبب خشيتها من اتخاذ بيانها حول هذا الحدث دليلاً إلى سعيها لمدّ نفوذها خارج الحدود السورية أو إشارة إلى رغبتها في تصدير ثورتها ذات الطابع الجهادي. كما أنه يؤكد مدى حرص الإدارة الجديدة على عدم اتخاذ أي إجراء أو تصرف من شأنه أن يثير الريبة لدى واشنطن وتل أبيب، خصوصاً أن هناك ملفات داخلية لا يمكن حلها إلا برضا الأولى، وملفات أخرى إلا بتوقف الثانية عن التوغل في الأراضي السورية في محافظة القنيطرة ..

وقد يكون هناك سبب آخر لا يستطيع مسؤولو الإدارة السورية الجديدة تجاوزه في ظل انشغالهم بهندسة مؤسسات الدولة الرئيسية مثل الجيش والاستخبارات. ويتعلق هذا السبب بالعلاقة التاريخية بين "حماس" وحركة "الإخوان المسلمين"، إذ تبرز هنا نقطة في غاية الحساسية من شأنها أن تدفع قادة الهيئة إلى مراجعة حساباتهم بدقة كبيرة تجنباً لحصول أي خطأ قد يثير استياء بعض الدول ومنها دول داعمة لهم حالياً. فعلاقة الهيئة مع حركة "الإخوان المسلمين" لطالما كانت تتسم بالخصومة والتناحر انطلاقاً من خلافات عقائدية وسياسية لا يمكن جسر الهوة فيها مهما بلغت درجات البراغماتية. ولكن بسبب ارتباط الإخوان بدولتي تركيا وقطر اللتين لعبتا الدور الأبرز في دعم الإدارة الجديدة، كان لا بد من انعطافة أو "تكويعة"، كما درجت تسميتها في سوريا هذه الأيام، جعلت أحمد الشرع، على سبيل المثال، يجلس إلى جانب الشيخ أسامة الرفاعي رئيس المجلس الإسلامي السوري، وذلك أثناء تعزيته بوفاة شقيقه الشيخ سارية الرفاعي ..

ويعد المجلس الإسلامي السوري من أصحاب المواقف المتشددة من الهيئة وقادتها، إذ كان يصفهم بـ "الخوارج" و"البغاة"، و يدعو إلى الانشقاق عن الهيئة وعدم التطوع في صفوفها. لذلك إذا لم تكن هذه "التكويعة" بضغط تركي فإنها تحمل تسليماً واضحاً بضرورة مراعاة حلفاء أنقرة الآخرين في الداخل السوري ..

والعارفون بخفايا الهيئة وكواليس علاقاتها لا يشكّون لحظة في أنها تفعل ذلك مضطرة وليس حباً. ولعل هذا ما دفعها إلى الإحجام عن إظهار أي مستوى من مستويات التفاعل مع وقف إطلاق النار في غزة، وذلك من باب الحرص على ترك مسافة بينها وبين التنظيمات ذات الطابع الإخواني كي لا تفقد خصوصيتها، من جهة، وكي تضبط آثار ما تقدمه من مجاملات لحلفائها، من جهة ثانية. لكنها تعوّض عن ذلك ببعض المرونة التي يمكن أن تحصل عليها "حماس" في سوريا. ومن قبيل ذلك انتشار الدعوات لجمع التبرعات لإغاثة أهل غزة في مناطق سورية عدة بعد سقوط النظام ..

وكانت إدارة العمليات العسكرية بعد أربعة أيام من سقوط الأسد اجتمعت مع الفصائل الفلسطينية العاملة في سوريا بغياب "حماس" و"فتح"، وطلبت منها تسليم القواعد العسكرية التابعة لها خارج المخيمات الفلسطينية في سوريا، فيما "تبقى المكاتب داخل المخيمات مفتوحة بوجود أسلحة فردية فقط، إلى حين تنظيم أوضاعها القانونية". وشددت على أنه لن تكون في المرحلة المقبلة فصائل لها خصوصية لدى الدولة السورية الجديدة، وذلك في إشارة ضمنية إلى الفصائل القريبة من النظام السابق ..

وأكدت مصادر فلسطينية أن "حماس" شكلت المظلة الفلسطينية للفصائل في دمشق، بغية عدم خلق أي أزمات بين الفلسطينيين والإدارة السورية الجديدة ..

وساندت "حماس" الثورة السورية منذ بداياتها ولعبت دوراً مهماً في دعم الفصائل المسلحة ضد النظام السوري، لكنها تراجعت عن ذلك في السنوات الأخيرة ..
وفي حين امتنع نظام الأسد عن إصدار بيان تعزية بعد اغتيال يحيى السنوار على غرار ما فعله بعد اغتيال السيد حسن نصرالله، فإن قادة الهيئة سارعوا في حينه إلى تأبين "الشهيد" كما وصفوه والتعزية به.