حسين السمنودى يكتب ترامب بلطجي محنك: قراراته وإجرامه في حق الفلسطينيين
الجارديان المصريةدون شك، يعد دونالد ترامب أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث. ففضلاً عن تصريحاته المتناقضة وسياسته المتهورة، كان لقراراته السياسية تأثيرات غير مسبوقة في العديد من القضايا الدولية، لعل أبرزها القضية الفلسطينية. من بين هذه القرارات كان اقتراحه بتهجير الفلسطينيين إلى مصر في سيناء، وهو ما يعد واحداً من أخطر وأغرب الأفكار التي طرحها خلال فترة حكمه.
ترامب، الذي اشتهر بأسلوبه الاستفزازي وتهديداته المستمرة، مارس نوعاً من "البلطجة السياسية" على الساحة الدولية، محاولةً منه لفرض إرادته بالقوة والتهديد، مستخدماً سلطته كأداة للضغط على دول الشرق الأوسط، وخاصة مصر، لتلبية مطالبه. لكن اقتراباته كانت تحمل في طياتها سياسة عدوانية، لا تتماشى مع حقوق الإنسان أو مع مواقف الدول الكبرى التي تسعى لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
في هذا السياق، ظهر "مخطط ترامب" الذي كان يتضمن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وفي هذا الإطار كان يرى أن سيناء، وهي أرض مصرية، ستكون مكاناً مناسباً لإقامة هؤلاء اللاجئين. وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح لم يكن ليحدث أبداً، إلا أنه كان يشير إلى درجة من الإجرام السياسي لا يمكن تجاهلها. اقترح ترامب أن يتم نقل الفلسطينيين إلى سيناء في خطوة قوبلت برفض مصري قاطع، حيث اعتبرت القاهرة هذا التصور تدخلاً سافراً في سيادتها وتهديداً لأمنها القومي.
الموقف المصري كان واضحاً في رفض هذه الفكرة. فقد أظهرت مصر بجلاء تمسكها بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967، وأن أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بهذه الطريقة، من خلال تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، هي بمثابة خرق للشرعية الدولية ولحقوق الشعب الفلسطيني. كما أن مصر كانت حريصة على الحفاظ على استقرارها الأمني والسياسي، وأي تغيير في هذه المنطقة الحيوية قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي والعالمي.
ورغم كل الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، إلا أن مصر أظهرت حكمة وصرامة في مواقفها، مما جعل هذا المقترح يتلاشى في الهواء، رغم محاولات الضغط المستمرة من قبل "البلطجي السياسي" ترامب. وقد أوضح هذا الموقف أن السياسة لا تقتصر على الوعود والأفكار المتهورة، بل هي بالأخص حول التمسك بالحقوق الإنسانية والعدالة.
هذه الحادثة تكشف بوضوح أسلوب ترامب في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية، وهو أسلوب يعتمد على القوة والتهديد والعنجهية، دون الاهتمام بالعواقب الإنسانية أو الأخلاقية. كان ترامب يعتقد أن بإمكانه فرض إرادته على العالم كما يفعل في صفقاته التجارية، لكنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق ذلك في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي كان يعتقد فيه أن مصر ستقبل اقتراحه، جاء رد الفعل المصري ليؤكد أن الأمور ليست كما يتصور، وأن السيادة الوطنية والحقوق الإنسانية لا يمكن التفريط فيها تحت أي ظرف.
الحديث عن ترامب كـ"بلطجي محنك" ليس فقط بسبب تصريحاته الصادمة، بل بسبب ممارساته التي تقترب من سياسات القهر والابتزاز. فهو لم يكن يهتم بمصير الشعوب ولا بالتاريخ العميق للقضايا السياسية في المنطقة، بل كان يسعى فقط لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية، متجاهلاً الواقع الذي لا يمكن تغييره بالقوة وحدها.
في النهاية، لم يكن ترامب مجرد رئيس بل كان شخصية تحمل فكراً عدوانياً غير متوازن، يحاول بطرقه الملتوية أن يفرض حلولاً بعيدة عن المنطق أو العدالة. ورفض مصر لاقتراحه بنقل الفلسطينيين إلى سيناء كان بمثابة تأكيد على أن السياسات القائمة على البلطجة والتهديد لن تجد لها مكاناً في العالم المعاصر، بل ستجد في النهاية جداراً من الرفض والمقاومة.