الثلاثاء 28 يناير 2025 06:01 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاتة زكريا يكتب : وحدة الفلسطينيين.. طريق الأمل في وجه العواصف

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

في عالم تسوده الأزمات والصراعات يظل الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة نابضا بالحياة رغم العقبات والمعاناة المستمرة. غزة تلك البقعة التي لا تتجاوز مساحتها سوى شريط صغير على خريطة العالم تمثل قلب الصراع وأحد رموز النضال الفلسطيني. الأحداث الأخيرة بما تحمله من محاولات لإعادة النازحين وصفقات لتبادل الأسرى تضعنا أمام تساؤل محوري: كيف يمكن للفلسطينيين استثمار هذه اللحظة التاريخية لصياغة مستقبل مختلف؟

التحديات التي تواجه الفلسطينيين لا تتوقف عند الحصار والانتهاكات المستمرة بل تتجاوز ذلك إلى معضلات داخلية تعصف بوحدة الصف الوطني. إن تكرار مشاهد الانقسام والتناحر الداخلي أضعف القضية الفلسطينية أمام المجتمع الدولي وأعطى الفرصة للاحتلال لاستغلال هذا التشتت لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب الحقوق الفلسطينية. ومع ذلك فإن هذه المرحلة قد تحمل في طياتها فرصة استثنائية لتجاوز الماضي والانطلاق نحو المستقبل برؤية موحدة وأهداف مشتركة.

المصالحة الفلسطينية لم تعد خيارا بل ضرورة لا يمكن تجاوزها. لقد بذلت مصر جهودا جبارة على مدى سنوات لإتمام المصالحة إدراكا منها أن قوة القضية الفلسطينية تكمن في توحد أبنائها. التحديات التي يواجهها الفلسطينيون الآن تحتاج إلى مقاربة مختلفة تعتمد على تجاوز الخلافات الأيديولوجية والسياسية لصالح تحقيق الهدف الأكبر: إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

النضال الفلسطيني أثبت عبر العقود أنه يتجدد بأشكال مختلفة حيث لا يقتصر فقط على المقاومة المسلحة بل يشمل النضال السياسي والدبلوماسي ، وحتى الثقافي. في هذا السياق يجب أن يكون العمل الفلسطيني منظما وقائما على توزيع الجهود بين الفصائل وفق استراتيجيات مدروسة تراعي التنوع داخل المجتمع الفلسطيني. إن تبني رؤية جامعة تعترف بجميع أشكال المقاومة وتستثمر الدعم الدولي هو السبيل الأمثل لإحداث التغيير المنشود.

على الصعيد الدولي شهدت القضية الفلسطينية زخماً غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، حيث صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة. هذا الدعم الدولي يجب أن يُستثمر بحكمة من خلال بناء تحالفات دبلوماسية قوية والدفع نحو قرارات تُلزم الاحتلال بإنهاء انتهاكاته. ومع ذلك فإن الدعم الدولي وحده لا يكفي، إذ يجب أن يقترن بإرادة فلسطينية صلبة تعبر عن شعب يرفض الاستسلام.

في خضم هذه التحديات لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي تلعبه مصر كوسيط وراعي للسلام. القيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي أكدت مراراً أن وحدة الفلسطينيين هي الأساس لأي حل مستدام. مصر تدرك جيدا أن استقرار المنطقة مرتبط بتحقيق السلام العادل والشامل وهو ما يدفعها لمواصلة جهودها رغم الصعوبات.

من ناحية أخرى يجب أن يكون للشعب الفلسطيني دور أكبر في توجيه المسار السياسي. الشباب الفلسطيني الذي يمثل غالبية السكان يمتلك طاقات هائلة يمكن توظيفها في مجالات عدة، سواء في النضال السياسي أو في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة. الاستثمار في التعليم والتنمية البشرية يُعد أولوية لإعداد جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل.

إن الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة لن يكون سهلا لكنه ليس مستحيلا الحروب والصراعات قد تضعف الجسد، لكنها لا تستطيع إخماد الروح. الفلسطينيون، الذين تحملوا عقوداً من القهر والظلم، أثبتوا قدرتهم على الصمود وإعادة البناء. المرحلة الحالية، بما تحمله من تحولات وفرص، تتطلب شجاعة في اتخاذ القرارات، وجرأة في مواجهة التحديات، وحكمة في توحيد الصفوف.

إن وحدة الفلسطينيين ليست مجرد حلم عابر بل هي مفتاح الخلاص الوحيد. عندما يتجاوز الفلسطينيون خلافاتهم ويتحدون على قلب رجل واحد، ستصبح دولتهم المستقلة أكثر من مجرد هدف سياسي ستصبح حقيقة على أرض الواقع. اللحظة الآن ليست فقط للتفكير ، بل للعمل. فالتاريخ لا ينتظر، ومن يفوت الفرصة قد يندم عليها لأجيال.