الجمعة 31 يناير 2025 01:16 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

السيناريست عماد النشار يكتب : ياميكروفوناتكِ يا مصر... صباحُو قلق !

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

لا يوجد كائن حيٌّ بطولِ وعرضِ المحروسةِ منحه اللهُ نعمةَ السمعِ إلا وانقلبت عليه نقمة، بعدما استعرت الحربُ الضروسُ لمليشياتِ الباعةِ الجائلين وأصحابِ المحال، وتنوّعت أسلحتُهم بين ميكروفوناتٍ وسماعاتٍ مختلفةِ الأحجام، مزخرةٍ بأنكرِ الأصواتِ وأردأِ الأغاني والألحان، يتم إطلاقُها على مدارِ اليومِ صوبَ المواطنِ، ليس في الشوارعِ التي تحوّلت إلى أسواقٍ فحسب، بل إنّ مداها المدمّر لأجهزته العصبية وسلامه النفسي يصل إلى المساكن والمستشفيات والمدارس والمصالح الحكومية، دون شفقةٍ أو رحمة.

لقد تجاوزتِ الضوضاءُ في شوارعِ مصرَ كلَّ حدودِ الاحتمال، فلم يعد هناكَ مكانٌ يمكنُ للمرءِ أن ينعمَ فيه بلحظةِ هدوء، وكأنَّ الجميعَ قد أُصيبوا بمتلازمةِ الصخبِ القهري، فلم يَعدِ الصوتُ المرتفعُ مجردَ وسيلةٍ للترويج، بل صارَ سلاحًا يُشهرُ في وجهِ الجميعِ دونَ استثناء، محاصرًا المواطنَ بأصواتِ الباعةِ الجائلين، وأصحابِ المحال التجارية، والمواصلات، والمقاهي، والأفراحِ الشعبيةِ التي لا تعرفُ ليلًا من نهار.

كلُّ ذلكَ يحدثُ تحتَ سمعِ وبصرِ الأجهزةِ الرسميةِ المسؤولةِ عن نظافةِ البيئةِ ومحاربةِ التلوثِ بكلِّ أشكاله، وعلى رأسها التلوثُ السمعيُّ، الذي أصبحَ سرطانًا ينخرُ في أعصابِ المواطن، دونَ أن تتحركَ هذه الجهاتُ وكأنها تنعمُ بآذانٍ من طينٍ وأخرى من عجين! فأينَ وزارتا البيئةِ والتنميةِ المحليةُ المسؤولتانِ عن هذهِ الجريمةِ التي تُرتكبُ على مدارِ الساعة؟ أين القوانينُ التي يُفترضُ أن تضمنَ للمواطنِ حقَّه في بيئةٍ هادئةٍ ونظيفة؟ أليسَ من أجلِ ذلكَ تمَّ إنشاءُ هذه الوزاراتِ وأُنفقتِ عليها الملياراتُ من خزينةِ الدولة، لتُصرفَ على رواتبِ العاملينَ بها ومنحِهم ومكافآتهم، ليقوموا بواجبهم في الحفاظِ على أمنِ المجتمعِ وسلامتِه؟ أم أنَّهم لا يرونَ التلوثَ السمعيَّ الهمجيَّ والبشعَ إثمًا يستحقُّ المكافحة، رغمَ ما سَنَّتهُ وشرَّعتهُ القوانين؟ والأمرُ ليسَ قاصرًا على الباعةِ الجائلينَ وأصحابِ المحالِّ فقط، بل يمتدُّ ليشملَ أصحابَ التروسيكلاتِ والموتوسيكلاتِ التي زوّدوها بسماعاتٍ "تجعر" بكلِّ نفاياتِ الأغاني لزوم "الروشنة"، بالإضافةِ إلى تعمُّدهم تخريبَ الشكماناتِ لإصدارِ فرقعاتٍ وأصواتٍ مدوّية تُثير الفزع ، وكأنَّ الضوضاءَ قد أصبحت لغةً لا يكتملُ المشهدُ العبثيُّ إلا بها!

لقد تحوَّل الأمرُ إلى كارثةٍ تهدِّدُ الصحةَ العامة، حيثُ تؤكدُ الدراساتُ أنَّ الضوضاءَ المستمرةَ تؤدي إلى ارتفاعِ ضغطِ الدم، وزيادةِ التوتر، واضطراباتِ النوم، وقد تكونُ سببًا في أمراضِ القلب. فإلى متى سيظلُّ المواطنُ المصريُّ يدفعُ الثمنَ من راحتهِ وسلامهِ النفسي؟ ولن أتكلم عن التأثيرِ السلبيِّ جراءَ هذه الجريمةِ على الاستثمارِ والسياحة، والصورةِ السلبيةِ التي تُنقلُ عنا، والتي يبدو أنها لا تهمُّ السادةَ المسؤولينَ في ظلِّ المشاكلِ الاقتصاديةِ المتفاقمةِ التي تصرخ مذبوحة من الألم "من الهوا دوبنا"، والاحتياجِ الشديدِ للعملةِ التي كانت صعبةً حتى باتت مستحيلة!

أكتبُ اليومَ لعلَّ المسؤولينَ يقرؤونَ بأعينِهم، وليسَ بآذانِهم، ويدركونَ حجمَ الكارثة، ولن أحملَ ميكروفونًا أو سماعةً لأخاطبَهم من خلالِهما بعدما تأكدَ لي ولغيري أنهم لا يسمعونَ صوتَ المتفجراتِ التي تفتكُ بنا!