الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : ضرورة فك ارتباط العمر بالنضج !!
الجارديان المصريةتختلف الكثير من دول العالم في تحديد سن البلوغ ، فهناك من تحدد الثامن عشر عاماً هو الوقت الذي يحصل المرء فيه على اعتراف المجتمع بنضجه وحريته في الإختيار وعقد الصفقات وحق تقرير الكثير من تفاصيل حياته من دون أوصياء ، وهناك من تحدد الموعد في الحادي والعشرين من العمر ، وهناك من تحدد غيرهما من التوقيتات .
القاسم المشترك بين كل هذه التحديدات ، هو ذلك الربط بين
النمو أو العمر والنضج ، رغم أني اعتقد أنهما ﻛﻠمتان ﻣﻨﻔﺼﻠﺘان ، وليستا مرتبطتان !! كيف؟
أليس هناك أناسا كبارا في السن و يتصرفون بتصرفات صبيانية و عشوائيين لدرجة ما، في الوقت الذي نجد فئة أخرى صغارا في السن و نراهم ناضجين عاقلين و يتصرفون بحكمة غريبة.
فهل توافقني إذ اقول إن النضج ليس مرتبط بالسن ؟!! ليتك توافقني ؟ فإن لم توافقني فقط آتي لي بما يعضد مخالفتك ، حتي اقتنع بجدوي مخالفتك لي !!
حري بنا ابتداءً أن نبين ما المقصود بالنضج؟
يؤمن المختصون في علم النفس وخاصة في مجال علم النفس التربوي، أن النضج بشكل عام هو حالة من التوافق المحكم تشير إلى إكتمال وتناغم العمل ما بين الوظائف العقلية، والجسدية، والفيزيولوجية، والروحية، والاجتماعية، بصورة تمكن الإنسان من فهم الحياة بتناقضاتها المختلفة والمعقدة، وحددوا له أنواعاً، وهي:. النضج العقلي وهو أن يكون للإنسان شخصية مستقلة تتفاعل مع المجتمع دون السماح لأحد بالتأثير فيها أو التحكم بها؛ أي لا يكون صاحبها تابعاً لغيره.ويستطيع بعد تكوين تلك الشخصية من ضبط سلوكه، وتصرفاته، وطريقة تفكيره ، علي بوصلة القيم العامة ، وعلي مصلحته مستوعبا الآداب والقيم المرعية في هذا الشأن ، والقدرة على التمييز بين الصحيح والخاطئ، وان يحسن التعامل مع المشكلات.
أزعم أنه لا يمكن للإنسان الوصول إلي تلك الدرجة إلا إذا كان على درجة عالية من الاستقرار النفسي ، التي تتيح له التحكم في انفعالاته وردود أفعاله. ومتى اكتمل هذين النضجين؛ نتج النضج الاجتماعي الذي هو نجاح الفرد في التكيف والتواصل مع المجتمع من حوله بدون تعقيد، حيث يؤثر ويتأثر في الآخرين دون أن يتيح لهم الفرصة للسيطرة عليه.
وعليه : فإن النضج العقلي مرحلة جديدة في حياة الإنسان، مرحلة تتغير فيها كل آرائه ونظرته إلى الأمور، وتتغير فيها أولوياته، ويصبح أقل انفعالاً وأكثر تأنٍّ وحكمة، ولكن كيف نَعرف أننا وصلنا لمرحلة النضج العقلي؟
اسمحوا لي بطرح سؤال جوهري لربما أجاب عن السؤال المتقدم ، ألا وهو : هل النضج فطري أم مكتسب ؟ يمكن تعلمه !!
نعم حضرتك علي صواب عندما أجبت بأنه يجوز اكتسابه بالتعلم ، فلا نضج يأتي دون رغبة دائمة بالمعرفة والبحث والتعلم، فكلما زادت معارف الإنسان ( وليس سنه ) ، زاد نضجاً وحكمةً؛ لذلك نجد الإنسان الذي يتعلم من الدروس التي يراها بأنه نضج وأصبح قادرا علي تحمل مسؤولية نفسه، وتصرفاته، وقراراته، وحتى مسؤولية أسرته، ويشعر من يتعامل معه بالأمان والثقة.
وأنا أري أن من امارات النضج حسن التعامل مع الناس ، فبقدر درجة استيعابه لهم يقدر حجم وكنه نضجه ، ويحظى حينئذ بمحبة الجميع واحترامهم له .
فالإنسان الناضج هو القادر على الإعتراف بالخطأ وتفادي تكراره. وتقبل الفشل والنظر إليه على أنه فرصة للتعلم، ومعاودة المحاولة.
وبالكلية فإن النضج هو الوصول بالعقل البشري لمرحلة يكون فيها قادرا على فهم واستيعاب أمور الحياة وقضاياها المركبة والمتعددة الأبعاد بشكل واع، ووفق مقاييس صحيحة وسليمة، بإعمال النظر العقلي وإتباع طرق الاستدلال الصائبة، مما يعني أنه مع غياب النضج في التفكير تكون السطحية والرعونة في الفهم والتفاهة والضحالة على مستوى الإنتاج العقلي، وبوجوده يكون السداد في الرأي وتحضر الحنكة والنباهة في التصرف والتدبير، ويبقى هذا النوع من النضج رهين بما يمر به الشخص ولا يمكنه أن يأتي من فراغ، بل لا بد من المرور بتجارب الحياة بما فيها من مصاعب شديدة وتحديات معقدة ومواقف مأساوية، لأن لها الدور الأساس في تطوير آليات التفكير والانتقال به إلى مرحلة النضج !!.
انا اقف مع القائلين بأن درجة نضج فكر الإنسان ترتبط بمخزونه المعرفي ومهاراته العليا التي كلما زادت فعاليتها إلا وزاد معها إدراك المرء لحقيقة الأمور، كما يرتبط نضج تفكيره أيضا بمدى تصالحه مع ذاته رغم كل ما فيها من عيوب ونقائص، وكلما كان قابلا لتغيير تصوراته وآرائه ليصبح شخصا سوي التفكير إلا وكان أقدر على استيعاب الأمور بشكل صائب وفهمها بدقة، وهذا ما يسمح ببروز شخصية مستقلة غير تابعة لغيرها تتفاعل مع المجتمع بصورة طبيعية تؤثر وتتأثر بالآخرين دون أن تتيح لهم الفرصة للسيطرة عليها، فالإنسان الناضج في تفكيره يتفاعل بشكل إيجابي مع محيطه، وفي نفس الوقت لا يسمح لأحد بأن يتحكم في تفكيره .
سؤال المقال : هل أغلبية من تخطوا السن المقررة البلوغ ناضجين ؟؟
وهل ما تقدمه دروس العلم ومخرجات الآلة الإعلامية تدفع المجتمع إلي النضج !!؟
الخلاصة!!
سيعلمك النضج كيف ترفع لواء الرحمة بعدما كنت ترفع لواء الملامة، وكيف ترفع شعار التصالح بعدما كنت تدق أجراس الإنذار.. لم تتغير المواقف، ولكن طريقة الرؤية تُحَدد معالم الأشياء، عمق النضج مرهون بسعة التصورات وليس بطول الأعمار !!
خلاصة الخلاصة !!
الإنسان لا يؤتى من قلة علمه، و إنما يؤتى من قلة نضجه !!