شحاته زكريا يكتب : السلام المستحيل.. كيف يصبح واقعا؟
الجارديان المصريةلطالما كان السلام في الشرق الأوسط حلما بعيد المنال ، لكنه كان دائما ممكنا حين تتغير الظروف وتنضج اللحظة السياسية. في تاريخ المنطقة لم يكن السلام يوما نتيجة مبادرات مثالية أو خطط دولية باردة بل جاء غالبا كمفاجأة بعد صراعات دامية ، عندما أدركت الأطراف المتحاربة أن الاستمرار في النزاع لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخراب. فمن كان يتوقع أن يزور السادات القدس؟ ومن كان يظن أن اتفاق أوسلو سيجمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة واحدة؟ في كل مرة بدا السلام وكأنه مستحيل حتى أصبح واقعاولو لفترة.
التاريخ يعلمنا أن الحرب والسلام ليسا على طرفي نقيض كما يُعتقد ، بل هما جزء من دورة واحدة ، تتكرر كلما فشلت الأطراف في تحقيق مصالحها بالقوة. في كل مواجهة عسكرية يعتقد كل طرف أنه قادر على فرض إرادته بالقوة، ولكن ما يبقى في النهاية هو الضحايا والدمار ، فيما تبقى أسباب الصراع قائمة تنتظر جولة جديدة من المواجهة. على العكس حينما يحدث السلام لا يكون مجرد هدنة بل يكون نتيجة لإدراك متبادل بأن الحل العسكري لا يمكن أن يكون أبديًا، وأن التعاون ، مهما بدا صعبا قد يكون أقل كلفة من الاستمرار في العداء.
لكن السلام في الشرق الأوسط يواجه تحديات كبرى ، أولها أن الصراع ليس مجرد خلاف على حدود أو مصالح اقتصادية ، بل يرتبط بهويات وتاريخ وروايات متناقضة، تجعل كل طرف يرى في الآخر تهديدا وجوديا. حينما يكون الخوف هو المحرك الأساسي للمواقف السياسية يصبح من الصعب التوصل إلى حلول وسط. لهذا السبب ، لم تحدث اختراقات كبرى إلا عندما قررت الأطراف تجاوز مخاوفها والجلوس للحوار المباشر. فعلى مدار العقود الماضية لم تنجح الوساطات الدولية في فرض حلول بينما حققت اللقاءات المباشرة بين الخصوم اختراقات لم تكن متوقعة.
اليوم مع تصاعد التوترات الإقليمية وعودة الحديث عن مشاريع التهجير القسري أو فرض حلول أحادية الجانب، يبدو المشهد أكثر قتامة. لكن الحقيقة أن الرفض العربي لهذه الطروحات يمثل فرصة لإعادة صياغة المبادرات السياسية وفق رؤية جديدة لا تعتمد على الإقصاء بل على استعادة الحقوق من خلال تسويات قابلة للحياة. حل الدولتين رغم كل التحديات يظل الخيار الأكثر واقعية لأنه يعترف بحق كل طرف في الوجود بدلا من أن يكرّس منطق الصراع الأبدي.
السلام ليس مجرد شعار يُرفع في المؤتمرات بل هو عملية معقدة تتطلب شجاعة سياسية، واستعدادا لتقديم تنازلات متبادلة. وهو أيضا عملية طويلة ، لا تتحقق بقرار واحد ، بل تحتاج إلى بناء تدريجي للثقة ، وإلى سياسات تدعم التعايش بدلا من التحريض. فهل يمكن أن نشهد مفاجأة جديدة للسلام كما حدث في الماضي.أم أن المنطقة ستظل رهينة لنفس الدوامة من العنف واليأس؟ الإجابة ليست مستحيلة،
لكنها تتطلب تغييرا جذريا في طريقة التفكير.، ورؤية تتجاوز حدود الصراع التقليدي نحو مستقبل يمكن للجميع العيش فيه بأمان.