الأربعاء 5 فبراير 2025 11:48 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : مصر تدفع ثمن غباء الآخرين بين الحروب والتضحيات والممانعة العربية

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

منذ قرون، كانت مصر هي القلب النابض للعالم العربي، حامية حصونه، ودرعه الحصين، ولكن ما الذي جنتْهُ من كل تلك التضحيات؟ دفعت مصر ثمنًا باهظًا، ليس فقط بدماء أبنائها في ميادين القتال، بل أيضًا في اقتصادها واستقرارها، بينما اكتفى الآخرون بالمشاهدة، أو الأسوأ، بالتخوين والخذلان.

الحروب التي خاضتها مصر من أجل العرب

1- حرب فلسطين 1948:
كانت مصر من أولى الدول التي لبّت نداء فلسطين، وأرسلت جيشها لمحاربة العصابات الصهيونية، رغم ضعف التسليح والظروف الاقتصادية الصعبة بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن، بدلًا من الدعم العربي المطلق، وجدت نفسها تقاتل وسط مؤامرات عربية وخيانات من بعض القادة، مما ساهم في ضياع فلسطين.

2- العدوان الثلاثي 1956:
حين وقفت مصر بزعامة عبد الناصر في وجه الاستعمار البريطاني والفرنسي والصهيوني بعد تأميم قناة السويس، كان من المتوقع أن تجد دعمًا عربيًا لا محدودًا. لكن الواقع كان مختلفًا، حيث فضّل البعض الانتظار على رصيف الأحداث، مكتفين بالشعارات، بينما تحملت مصر عبء المواجهة وحدها.

3- حرب اليمن 1962-1967:
لم تكن هذه الحرب معركة مصيرية لمصر، لكنها انطلقت لدعم الجمهورية الوليدة في اليمن ضد حكم الإمامة المدعوم من السعودية وبعض القوى الاستعمارية. خسرت مصر أكثر من 20 ألف جندي، واستنزفت مواردها، بينما ظل الموقف العربي منقسمًا بين من يدعم الإمامة ومن يراقب بصمت.

4- حرب 1967 (النكسة):
واجهت مصر الهجوم الإسرائيلي الغادر وهي تحارب على عدة جبهات، لكن المفاجأة الكبرى كانت في انعدام التنسيق العربي الحقيقي، وغياب المساندة الفعلية، مما أدى إلى هزيمة قاسية وخسائر فادحة في الأرواح والأرض.

5- حرب أكتوبر 1973:
كان الانتصار العسكري المصري في أكتوبر 1973 لحظة استثنائية في التاريخ العربي، لكن المفارقة أن العرب أنفسهم لم يستثمروه سياسيًا كما يجب. بعضهم استغل الانتصار لمصالحه الخاصة، وآخرون كانوا أكثر اهتمامًا بحساباتهم الضيقة، ولم يدركوا أن النصر المصري كان فرصة ذهبية لاستعادة الحقوق العربية كاملة.

ماذا جنت مصر؟ الممانعة العربية والانقسام

بعد كل هذه الحروب، كان المفترض أن يكون لمصر مكانة خاصة في العالم العربي، وأن تحظى بدعم غير محدود من الدول التي قاتلت من أجلها. لكن الواقع كان مختلفًا:

بعض الدول العربية سعت لإضعاف الدور المصري، وتحجيمه، حتى لا تظل القاهرة القائد الطبيعي للأمة.

في كل مرة كانت مصر تقدم التضحيات، كانت الدول العربية تتراجع عن التزاماتها، وتفضل المصالح القُطرية الضيقة على القضايا القومية الكبرى.

بعض الأنظمة العربية وجدت في الخلاف مع مصر فرصة لتقوية نفوذها، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة الصف العربي.


كلٌ يحب نفسه أولًا

لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ ببساطة، لأن كل دولة عربية باتت تفكر في مصالحها فقط. اختفت الروح القومية التي سادت في الخمسينيات والستينيات، وحلّت محلها حسابات سياسية ومصالح اقتصادية. الدول العربية لم تعد ترى أن ما يصيب مصر يصيبها، بل أصبح البعض يراهن على إضعاف القاهرة لتحقيق مكاسب خاصة.

وفي النهاية...
مصر لم تخسر لأنها قاتلت، بل لأن الآخرين لم يكونوا على مستوى المعركة. دفعت ثمن غباء الحسابات الضيقة، والأنانية العربية التي فضّلت الانقسام على الوحدة، والتخاذل على المواجهة. ومع ذلك، ستظل مصر حاضرة، قوية، قائدة، حتى لو وقف الجميع ضدها، لأن التاريخ لا ينسى من يحمل راية الأمة، ولا يغفر لمن يخذلها.