دكتور رضا محمد طه يكتب : بكتريا الفم وعلاقتها بفقدان الذاكرة والخرف


أكدت العديد من الدراسات بأن البكتريا التي تعيش في الفم تؤثر على الوظائف الإدراكية مع التقدم في السن ، ومن خلال استكشاف كل ما يتعلق بصحة الفم جنبا إلى جنب مع النظام الغذائي والبريبيوتكس (مصادر غذائية تحتوي على ألياف ومواد تتغذى عليها البكتريا بميكروبيوم الأمعاء ) ومن استطاع العلماء من تحديد أنواع البكتريا الأكثر ضرراً من غيرها وبعضها تسبب فقدان الذاكرة والخرف، الأمر الذي سوف يساعد في إبطاء التدهور المعرفي والحماية من حالات مثل مرض الزهايمر.
معروف أن التقدم في السن يصاحبه بشكل طبيعي تدهور في الذاكرة ومهارات التفكير ، ويعاني حوالي 15% من كبار السن من ضعف ادراكي خفيف وهو عامل خطر رئيسي للخرف وأشكال أخري من الخرف مثل مرض الزهايمر، ونظرا لأن التدهور المعرفي والخرف من المخاوف الصحية العامة المتزايدة لذلك يسعي العلماء لفهم صحيح لعوامل الخطر المسببة ومن ثم إيجاد طرق للحد منها. في هذا السياق أشارت دراسة جديدة نشرت مؤخرا في مجلة باناس نيكسز PNAS Nexus عن ارتباط صحة الفم بصحة الدماغ، حيث أن بعض البكتريا الضارة التي تعيش في الفم تؤثر على الوظائف الإدراكية مع التقدم في السن وتساهم في تطور الخرف ومرض الزهايمر.
قام فريق البحث بتحليل الميكروبيوم الفموي لعدد 115 شخصاً بينهم 55 يعانون من ضعف ادراكي خفيف ، وتبين أن بعض المشاركين يحملون صفة وراثية تسمي "أليل البروتين الدهني APOE4 والذي يرتبط بزيادة خطر التدهور الإدراكي ومرض الزهايمر ، ووجدت علاقة بين وفرة أعلي من بكتريا النيسرية ووظيفة تنفيذية أفضل وانتباه بصري وذاكرة عمل اقوى ، في المقابل كان وجود بكتيريا البورفيروموناس مؤشراً رئيسياً لضعف الإدراك الخفيف في حين ارتبطت بكتريا بريفوتيلا انترميديا بزيادة خطر التدهور الإدراكي ومرض الزهايمر.
أما عن دور النظام الغذائي فقد لاحظ الباحثون أن الأنظمة الغذائية الغنية بالنترات مثل النظام الغذائي المتوسطي والنظام الغذائي المتبع لوقف ضغط الدم تدعم البكتريا المفيدة للوظائف الإدراكية.
أكد الباحثون أن الحفاظ على ميكروبيوم الفم يعتبر عاملا مهما في سلامة التبادل الوظيفي والصحة بين ميكروبيوم الفم والدماغ وأن الميكروبات الرئيسية في ميكروبيوم الفم مؤثرة بشكل كبير على سلامة الوظائف الإدراكية، وبعضها يفيد في إنتاج اكسيد النيتريك NO الكيميائي الغازي المنظم للأعصاب في الدورة الدموية والدماغ، لأنه يؤثر على النغمة الدماغية الوعائية وينظم عمليات الإشارة داخل الخلايا الحاسمة للوظائف العصبية بما في ذلك التي تعمل في المعالجة المعرفية، كما ثبت أن أكسيد النيتريك يقوم بتأثيرات وقائية ضد العمليات الالتهابية العصبية التي تعمل على فقدان الوظيفة العصبية مما يترتب على ذلك ضعف ادراكي.
أحدي الطرق التي تؤثر بها البكتريا الفموية على صحة الدماغ هي وصولها لمجري الدم في حالة حدوث تلف في الفم مثل نزيف اللثة، وبمجرد وجودها في مجري الدم أصبح من السهل أن تنتقل إلى الدماغ وخاصة لدى الأشخاص المصابون بمرض الزهايمر بسب المسامية الكبيرة في حاجز الدم لديهم ، بينما يمثل هذا الحاجز الدرع الواقي الذي يمنع المواد الضارة أن تصل إلى الدماغ، وقد رصد فريق البحث بكتريا مرتبطة بالعدوى الفموية في سائل الدماغ للأشخاص المصابين بعدوي الدماغ وتم اكتشاف بكتريا بروفيروموناس جينجيفاليس الضارة في أدمغة مرضى الزهايمر، ومن ثم تفيد هذه الدراسة بأنه من الممكن أخذ عينات من الفم للكشف عن الميكروبيوم الفموي كمؤشرات تنبؤية لصحة الدماغ.
هذا البحث يسلط الضوء على أهمية الحفاظ على نظافة الفم الجيدة ، ليس فقط من أجل صحة الأسنان واللثة ولكن أيضاً من أجل صحة الدماغ علي المدي الطويل عن طريق تعزيز والحفاظ على نشاط الأنواع الرئيسية في ميكروبيوم الفم ، إضافة إلى دمج الأطعمة الغنية بالنترات مثل الخضروات في النظام الغذائي يفيد كثيرا في صحة الميكروبيوم الفموي من خلال تعزيز البكتريا المرتبطة بنتائج افضل لصحة الفم والإدراك جنباً إلى جنب مع مقاومة البكتريا المرتبطة بالمرض.