حسين السمنودى يكتب : عودة يهود سوريا إلى دمشق بعد 33 عامًا بين التراث والأطماع الصهيونية


في فبراير 2025، شهدت دمشق حدثًا تاريخيًا بعودة وفد من اليهود السوريين إلى العاصمة بعد غياب دام 33 عامًا. ترأس الوفد الحاخام يوسف حمرا، الذي غادر سوريا في أوائل التسعينيات، حيث زار معالم يهودية تاريخية مثل كنيس الفرنج ومدرسة ابن ميمون. تأتي هذه الزيارة في ظل التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية.
تاريخيًا، لعب اليهود السوريون دورًا معقدًا في المنطقة. ففي الوقت الذي كانوا فيه جزءًا من النسيج الاجتماعي السوري، اتُهم بعضهم بالتعاون مع الحركة الصهيونية، مما أثار توترات داخل المجتمع السوري. مع إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، زادت هذه التوترات، خاصة مع هجرة العديد من اليهود السوريين إلى إسرائيل ومشاركتهم في تعزيز المشروع الصهيوني.
الأطماع الصهيونية في سوريا ليست جديدة؛ فقد سعت إسرائيل منذ تأسيسها إلى توسيع نفوذها في المنطقة، خاصة في هضبة الجولان التي احتلتها عام 1967. تُعد الجولان منطقة استراتيجية غنية بالموارد المائية والأراضي الخصبة، مما جعلها هدفًا للأطماع الإسرائيلية منذ منتصف القرن التاسع عشر. في عام 1981، ضمت إسرائيل الجولان رسميًا، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، استغلت إسرائيل الفوضى لتعزيز وجودها العسكري في الجولان، معربة عن مخاوفها من تواجد جماعات معادية بالقرب من حدودها.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 وتولي أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية، برزت تحديات جديدة. ففي ظل الفراغ الأمني والسياسي، تسعى إسرائيل إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية في سوريا. في ديسمبر 2024، قامت القوات الإسرائيلية بالسيطرة على جبل الشيخ (حرمون)، مما وفر لها رؤية واضحة نحو دمشق. كما توغلت في قرى جنوب سوريا بهدف إنشاء منطقة عازلة لحماية حدودها الشمالية. هذه التحركات أثارت انتقادات دولية، حيث اعتبرتها الأمم المتحدة انتهاكًا لسيادة سوريا.
ومن ناحية أخرى، شهدت الساحة السورية صعود أحمد الجولاني (أحمد حسين الشرع)، قائد "هيئة تحرير الشام"، الذي أعلن عن نفسه كقوة رئيسية في الشمال السوري. بدأ الجولاني مسيرته بالانضمام إلى تنظيم "داعش" في 2011، ثم انفصل ليؤسس "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة. لاحقًا، أعاد تشكيل فصيله ليصبح "هيئة تحرير الشام"، محاولًا تقديم نفسه كقوة معتدلة. ومع سقوط نظام الأسد، استغل الجولاني الفراغ الأمني لتوسيع نفوذه، مما أدى إلى مواجهات مع فصائل معارضة أخرى وإضعاف الجبهة الداخلية السورية.
وعودة الوفد اليهودي إلى دمشق تعكس تغيرات في السياسة السورية تجاه الطائفة اليهودية. تسعى الحكومة الانتقالية إلى إعادة دمج جميع مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك اليهود، في محاولة لإعادة بناء النسيج الاجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية. ومع ذلك، تظل المخاوف قائمة بشأن استغلال إسرائيل لهذه العودة لتحقيق مصالحها. فقد تستخدم تل أبيب هذه الزيارات كذريعة للتدخل في الشؤون السورية أو لتعزيز مزاعمها التاريخية حول وجود يهودي في المنطقة يدعم مطالبها الإقليمية.
وفي الختام، تعكس عودة اليهود السوريين إلى دمشق بعد 33 عامًا من الغياب تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي في سوريا. وبينما تسعى الحكومة الانتقالية إلى تعزيز الوحدة الوطنية، تظل التحديات قائمة في مواجهة الأطماع الصهيونية ومحاولات استغلال هذه العودة لتحقيق مصالح سياسية واستراتيجية في المنطقة.