الأحد 23 فبراير 2025 11:59 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب: الإعلام الصهيوني.. سلاح الاحتلال الناعم في اختراق الوعي العربي

 الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

في عالمٍ أصبح الإعلام فيه سلاحًا لا يقل خطورة عن المدافع والصواريخ، يواصل الكيان الصهيوني استخدام أدواته الإعلامية لاختراق العقل العربي وإعادة تشكيل وعيه وفق أجندة تخدم مصالحه الاستعمارية. ومن أحدث أدواته قناة فضائية جديدة تُبث عبر "نايل سات"،إسمها (مكان) الناطقة بالعربية، وهدفها الوصول إلى كل بيت عربي، والتأثير على العقول بخطابٍ إعلاميٍ مسمومٍ لكنه مغلفٌ بالدهاء والمكر.

..الإعلام الصهيوني.. أداة استعمارية ناعمة

لطالما أدرك الكيان الصهيوني أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لبسط هيمنته، فبدأ منذ سنوات طويلة في توظيف الإعلام كأداة استعمارية ناعمة. ومنذ تأسيسه، سعى إلى فرض روايته عبر وسائل الإعلام المختلفة، بدءًا من الصحف والإذاعات الموجهة، وصولًا إلى القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.

ولا يخفى أن الإعلام الصهيوني يعمل وفق استراتيجيات مدروسة تهدف إلى:

تشويه المقاومة عبر تصوير المقاومين كإرهابيين والترويج لفكرة أن الاحتلال يدافع عن نفسه ضد "العنف".

نشر الشكوك حول القضية الفلسطينية بالتلاعب بالمصطلحات مثل "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" بدلًا من "الاحتلال الصهيوني"، وتصوير القضية وكأنها نزاعٌ بين طرفين متساويين.

إعادة تشكيل المفاهيم العربية من خلال الترويج للتطبيع كخيارٍ "عقلاني"، وتزييف صورة الاحتلال ليبدو كدولةٍ طبيعيةٍ وسط "جيران عدائيين".

تفكيك المجتمعات العربية من الداخل بزرع الفتن الطائفية والعرقية، والترويج لخطابات تُضعف الوحدة العربية عبر إعلاميين يعملون وفق أجندات محددة.


....القنوات الصهيونية الناطقة بالعربية.. حرب بلا مدافع

ظهرت في العقود الأخيرة عدة قنوات صهيونية موجهة للعالم العربي، مثل قناة "i24" و"مكان"، لكنها لم تحقق اختراقًا واسعًا بسبب انكشاف أهدافها. واليوم، يأتي المشروع الجديد للقناة الفضائية الصهيونية الناطقة بالعربية بحلةٍ أكثر احترافية، مستهدفًا شرائح جديدة من الجمهور العربي، خاصة فئة الشباب، عبر مزيجٍ من الأخبار والبرامج الحوارية والترفيهية.

تعتمد هذه القنوات على:

تقديم خطاب متوازن ظاهريًا حيث لا تُظهر العداء الصريح، بل تحاول تقديم نفسها كقناة "مهنية" و"محايدة".

التأثير النفسي التدريجي عبر استضافة شخصيات عربية مشهورة،
والترويج لأفكار تخدم أجندة الاحتلال بطريقة غير مباشرة.

استخدام لغة عربية سلسة بلهجات مختلفة مما يسهل اختراق المجتمعات العربية المختلفة والتأثير عليها.


الحرب الإلكترونية.. جبهة أخرى في المعركة

لم يقتصر الغزو الإعلامي الصهيوني على القنوات الفضائية، بل توسع ليشمل الفضاء الرقمي. فهناك جيوش إلكترونية تعمل بشكلٍ منظمٍ لبث الدعاية الصهيونية، سواء عبر الحسابات المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال توظيف شخصيات عربية تروج لوجهة النظر الصهيونية.

وتستخدم هذه الحرب الإلكترونية استراتيجيات مثل:

التلاعب بالاتجاهات (الترندات) عبر دعم هاشتاجات تخدم الاحتلال أو مهاجمة الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية.

إنشاء منصات وهمية تبدو عربية في شكلها، لكنها تروج للدعاية الصهيونية بشكلٍ غير مباشر.

تشويه المعارضين عبر حملات منظمة تستهدف أي شخصية عربية تنتقد الاحتلال، باستخدام الأخبار المفبركة والمعلومات المزيفة.


المواجهة تبدأ بالوعي

في ظل هذه الحرب الإعلامية المستمرة، لا بد أن يدرك المواطن العربي أنه أصبح مستهدفًا بشكل غير مسبوق. فالاحتلال الصهيوني لم يعد بحاجة إلى إطلاق الرصاص ليحقق أهدافه، بل يكفيه أن يسيطر على العقول، ويغرس المفاهيم التي تخدمه.

وأمام هذا التحدي، لا بد من:

تعزيز الوعي الإعلامي بقراءة وتحليل الأخبار بعقلٍ ناقد، وعدم تصديق كل ما يُنشر دون تمحيص.

دعم الإعلام العربي المقاوم عبر متابعة القنوات والصحف التي تفضح الرواية الصهيونية، وتقديم الدعم لها.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ واعٍ بعدم الانسياق وراء الشائعات، والتصدي للمحتوى المشبوه الذي يبثه الإعلام الصهيوني.

تعزيز الهوية العربية والإسلامية عبر التعليم والثقافة، وترسيخ المفاهيم الصحيحة لدى الأجيال القادمة، حتى لا تكون فريسةً سهلة للدعاية الصهيونية.


إن الإعلام الصهيوني لا يستهدف فقط الفلسطينيين، بل يسعى لاختراق كل بيتٍ عربي، وإعادة تشكيل وعي الشعوب وفق أجندةٍ خبيثة. وبينما يطور الاحتلال أدواته الإعلامية يومًا بعد يوم، فإن الرد الحقيقي لا يكون بالانفعال المؤقت، بل ببناء وعيٍ راسخ، وحشد كل الطاقات لمواجهة هذه الحرب الناعمة التي لا تقل خطورة عن الاحتلال العسكري.