الإثنين 24 فبراير 2025 04:08 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاته زكريا يكتب : لعبة القوة والمصالح .. هل تراجع ترامب حقًا أم أنها مناورة جديدة؟

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

لا يمكن قراءة تصريحات دونالد ترامب الأخيرة حول ما يُعرف بمشروع "ريفييرا غزة" بمعزل عن أسلوبه السياسي المعتاد القائم على الإثارة والتراجع ، ثم العودة مجددا بطرح أكثر حدة. الرجل الذي لطالما اعتمد نهج الصفقات الكبرى لا يبدو ممن يقتنع بسهولة بفشل مشروع قبل استنفاد كل أوراقه. فهل كان تراجعه الأخير حقيقيا أم مجرد خطوة تكتيكية لالتقاط الأنفاس قبل العودة مجددا بمخطط مختلف؟

ترامب الذي أدلى بتصريحاته بشأن الاكتفاء "بالتوصية" وليس "الفرض"، أظهر قدرا من الدهشة من الرفض المصري والأردني للمقترح وكأن الإدارات العربية كانت متوقعة أن ترحب بمشروع يحمل بين طياته إعادة رسم ديموغرافية وسياسية للمنطقة. ولكن الحقيقة أن المشروع لم يكن ليحظى بفرصة للنجاح في ظل ظروف إقليمية ودولية متشابكة، حيث أن التعقيدات في غزة تتجاوز مجرد إعادة توطين سكانها أو إعادة إعمارها بمشروع استثماري.

التوقيت نفسه لا يخلو من دلالة. فتصريحات ترامب تزامنت مع جهود التهدئة في غزة ، ومحاولات واشنطن لاحتواء الغضب الدولي جراء الانحياز الأمريكي الفج لإسرائيل في حربها الأخيرة. لذلك لا يُستبعد أن يكون الهدف الحقيقي من هذا التراجع هو امتصاص الغضب العربي والدولي وإفساح المجال أمام حكومة نتنياهو لاستكمال أجندتها العسكرية، تحت غطاء سياسي أمريكي مرن.

لكن هناك سيناريو آخر لا يقل أهمية. من المعروف أن ترامب حتى في ولايته الرئاسية الأولى ، كان بارعا في تحويل النقاش حول قضايا شائكة إلى وسيلة ضغط. فما الذي يمنع أن يكون هذا التراجع مجرد إعادة تموضع تكتيكي لتقديم المشروع لاحقا بصياغة جديدة، وربما بشركاء مختلفين؟ فالتاريخ السياسي لترامب يؤكد أنه لا يتخلى عن أفكاره بسهولة، بل يعيد تدويرها بأسلوب أكثر قبولًا.

وإذا كان ترامب قد أدرك حجم الرفض العربي والدولي فمن المؤكد أنه أدرك أيضا أن اللعبة لم تنتهِ بعد. فإسرائيل بدأت بالفعل في التشدد بشروط للمرحلة الثانية من التفاوض وعلى رأسها نزع سلاح الفصائل الفلسطينية بالكامل، وتجريد غزة من أي قوة عسكرية كشرط أساسي للمفاوضات. وهذا يعني أن أي حديث عن "غزة مختلفة" وفق رؤية ترامب لم يُسقط من الحسبان، بل هو مؤجل حتى إشعار آخر.

لذلك يمكننا أن نقول إن كل الاحتمالات لا تزال قائمة. ترامب رجل يحب كسر القواعد وعادة ما يراهن على عنصر المفاجأة لكن في هذه الحالة تبدو المعطيات أكثر تعقيدا من مجرد فرض مشروع أو التراجع عنه. فالقضية ليست مجرد استثمار أو إعادة إعمار بل هي إعادة تشكيل للمشهد السياسي في المنطقة وهو أمر يصعب أن يُحسم بتصريح عابر.

في النهاية سواء كان تراجعه حقيقيًا أم مجرد مناورة، فإن الدرس الأهم الذي يجب أن نستخلصه هو أن هذه المشاريع لا تُبنى على التصريحات، بل على موازين القوى. وترامب رغم كل مناوراته ، ليس اللاعب الوحيد في هذه المعادلة.