حسين السمنودى يكتب : خطة لابيد المفضوحة: تصفية للقضية الفلسطينية تحت غطاء التعمير


لم يكن العدوان الإسرائيلي على غزة مجرد حرب تقليدية، بل هو جزء من مخطط أكبر يسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني بالكامل، وفق رؤية تتبناها القوى الصهيونية، وتحظى بدعم بعض الدوائر الغربية. في هذا السياق، ظهرت خطة يائير لابيد، التي تروج لمقترح يقضي بأن تتولى مصر مسؤولية إدارة قطاع غزة أمنيًا واقتصاديًا لمدة 15 عامًا، مع تقديم إغراءات مالية، من بينها إسقاط ديونها الخارجية.
أهداف الخطة الحقيقية
في ظاهرها، تبدو الخطة محاولة لحل الأزمة الإنسانية في غزة، لكنها في جوهرها ليست سوى عملية تهدف إلى تحقيق مكاسب استراتيجية لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، ويمكن تلخيص أهدافها في النقاط التالية:
1. تنصل إسرائيل من مسؤولياتها كقوة احتلال: بموجب القانون الدولي، تظل إسرائيل مسؤولة عن القطاع حتى بعد انسحابها منه عام 2005، ولكنها تسعى الآن إلى تحويله إلى مشكلة إقليمية، تتولى مصر مسؤوليتها، وبالتالي تفلت من أي التزامات سياسية أو قانونية تجاهه.
2. إضعاف المقاومة: تدرك إسرائيل أن أي وجود أمني مصري في غزة سيتطلب تفكيك البنية العسكرية للفصائل الفلسطينية، وهو ما فشلت في تحقيقه بالوسائل العسكرية المباشرة.
3. إدخال مصر في صراع طويل الأمد: إذا قبلت مصر بهذه المهمة، فإنها ستجد نفسها مسؤولة عن أمن القطاع، بما قد يستدرجها إلى مواجهات مباشرة مع الفصائل الفلسطينية أو مع إسرائيل نفسها، مما يضعها في موقف شديد التعقيد.
4. ضرب وحدة الموقف الفلسطيني: تهدف هذه الخطة إلى فصل غزة نهائيًا عن الضفة الغربية، مما يضعف أي مشروع مستقبلي لدولة فلسطينية موحدة، ويجعل من فكرة "الحكم الذاتي" حلاً دائمًا بدلًا من الدولة المستقلة.
...محاولات ترامب الفاشلة وتهديداته لمصر والأردن
ما يحاول لابيد تمريره اليوم ليس جديدًا، بل هو امتداد لمحاولات سابقة قادها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وخاصة فيما عُرف بـ"صفقة القرن".
1. الضغط على مصر لقبول توطين الفلسطينيين في سيناء
خلال فترة رئاسة ترامب، مارست إدارته ضغوطًا مكثفة على مصر للقبول بمقترح يقضي بتوسيع قطاع غزة باتجاه سيناء، واستيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين هناك، مقابل مساعدات مالية ضخمة. لكن القاهرة رفضت ذلك بشكل قاطع، وأكدت أن سيناء ليست للبيع، ولن تكون بديلاً عن الأراضي الفلسطينية المحتلة.
2. تهديد الأردن بوقف المساعدات
حاول ترامب أيضًا إجبار الأردن على قبول فكرة الوطن البديل، حيث ضغط على عمّان لمنح الجنسية الأردنية للفلسطينيين المقيمين فيها، والقبول بحل دائم لهم هناك، بدلًا من المطالبة بحق العودة. لكن الملك عبد الله الثاني رفض هذه الضغوط، وأكد أن القضية الفلسطينية لا يمكن تصفيتها بهذه الطريقة.
3. تقليص الدعم لوكالة "الأونروا"
كجزء من مخططه لتصفية القضية الفلسطينية، قطع ترامب التمويل الأمريكي عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بهدف إنهاء ملف اللاجئين وإجبار الدول المضيفة لهم، مثل لبنان والأردن، على دمجهم بشكل دائم، وبالتالي إسقاط حق العودة.
4. نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
في خطوة استفزازية، اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، متجاهلًا كل التحذيرات العربية والدولية، في محاولة لإنهاء أي أفق لحل الدولتين، وفرض أمر واقع جديد.
...لماذا ستفشل خطة لابيد؟
مثلما سقطت مشاريع ترامب، فإن خطة لابيد أيضًا محكوم عليها بالفشل لعدة أسباب:
الرفض الشعبي الفلسطيني: الشعب الفلسطيني يدرك أن هذه الخطة ليست إلا محاولة جديدة لتصفية قضيته، ولن يقبل بحلول ترقيعية تبقيه تحت الاحتلال بطرق ملتوية.
الموقف المصري الحذر: رغم الضغوط الاقتصادية، فإن القاهرة تدرك أن أي انخراط مباشر في غزة سيضعها في مأزق سياسي وأمني معقد.
المجتمع الدولي لم يعد أعمى: على الرغم من تواطؤ بعض الدول الغربية مع إسرائيل، فإن الرأي العام العالمي بدأ يتغير، وأصبحت هناك إدانات متزايدة للجرائم الإسرائيلية.
صمود محور المقاومة: سواء في غزة أو الضفة أو لبنان، فإن محور المقاومة لا يزال يمثل عائقًا حقيقيًا أمام هذه المخططات، ويثبت أن القضية الفلسطينية ليست للبيع.
وختاما لذلك فإن خطة لابيد ليست إلا امتدادًا لمشاريع قديمة حاولت تصفية القضية الفلسطينية تحت عناوين مختلفة، لكنها ستلقى نفس المصير الذي واجهته محاولات ترامب السابقة. الفلسطينيون لم يقبلوا سابقًا بالتخلي عن حقوقهم، ولن يقبلوا اليوم بحلول ظاهرها التعمير، وباطنها تصفية قضيتهم. والسؤال الآن: هل ستواصل إسرائيل البحث عن مخططات بديلة، أم أن المقاومة ستفرض واقعًا جديدًا يعيد الحقوق إلى أصحابها الشرعيين؟