دكتور عادل القليعى يكتب : ما بين عملي الأكاديمي..... وكتاباتي الصحفية


اخترمني العمل الأكاديمي الذي أحبه جدا والذي أفنيت معظم عمري من أجله ومن أجل الإفادة مما أفاء الله علي من فضله من علم لأبنائي الطلاب فى الجامعة ، مؤمنا أن لكل واحد في حياته رسالة اختارها الله تعالى له وهيأه لتحمل مسؤوليتها ومسؤولية تبلغيها فهيأ له الأسباب.
لكن ثم جانب آخر تم اكتشافه لا أقول مؤخرا وإنما هو موجود منذ الصغر لكن الطرف كان مغضوضا عنه لأسباب كثيرة منها الجوهري ومنها الثانوي.
أما الجوهري فالانشغال بالعلم والترقي وإكمال المسيرة العلمية من خلال الحصول على الألقاب الأكاديمية إلى درجة الأستاذية وقد حصل وحققت ما أصبو إليه أكاديميا.
أما الثانوي فمن خلال مشاهدة حال الكتابة والكتاب الصحفيين وجعل البعض الكتابة مهنة يقتاتون منها ، فضلا عن الوساطة والمحسوبية ، فلان يعرفه فلان ، ننشر له ونرحب به لن قريبه فلان سيخدمنا إذا طلبنا منه خدمة في مكانه (شيلني وأشيلك)، إلا ما رحم ربي - فأدركت أنه لن يهتم بكتاباتي أحد ولا بفكري ولا بمكانتي العلمية والأكاديمية.
فتوقفت عن التفكير في هذا الأمر وظللت هكذا مدرسي أكاديمي ، ليس لي تواجدا لا فى الصحف ولا فى الإذاعة ولا فى التليفزيون وتمركزت حول ذاتي أكتب لنفسي وأناقش أفكاري مع طلابي في قاعات الدرس.
لكن شئ ما بداخلي يدفعني إلى تحرير نفسي من هذه المركزية و الانطلاق بفكرى إلى الناس ، فالمفكر الحقيقي شغله الشاغل أن ينشر فكره مهما كلفه ذلك من تعب ونصب ومشقة.
كنت لا أؤمن بالفيس بوك لما اسمعه عنه من سفاهات وسخافات وقيل وقال.
إلا أنني قلت في قرارة نفسي لما لا أخوض التجرية واستغله استغلالا صحيحا ، وانشر عليه خواطري وأفكاري وأرسل طلبات صداقة لكتاب وصحفيين وشعراء ، لعل وعسى واحد يقرأ ويهتم بفكري ويقدر هذه المنحة الربانية التي غرسها بداخلي ربنا ، موهبة الكتابة.
دوما ما كنت أجلس بجواري ابنتي وزوجي حفظهما الله وأمليهم أفكاري ويقومون بالكتابة لي على صفحتي على الفيس.
يتفاعل معي بضع نفر ، يصيبني اليأس آحايين كثيرة ، لكن أعاود أدراجي مرة أخرى ، واكتب من جديد.
وذات يوم وجدت طلب صداقة من شاعر قدير تدرس أشعاره لطلاب المدارس ، قبلت صداقته وتشرفت بها ، ومن هنا كانت نقطة الانطلاق والشرارة الأولي ، فقرأ أفكاري وآمن بها وبدأ يأخذ ما أكتبه وينشره فى المواقع الالكترونية.
ثم فوجئت بتليفون من شخص لا أعرفه ، شخص خلوق جدا ، يعمل نائب رئيس تحرير جريدة مهمة ، تعرف علي وطلب مني إجراء حوار صحفي.
ثم قدمني لرئيس تحرير هذه الصحيفة وصار لي مقالا ثابتا طرفهم ، إنه كما يقولون أول الغيث قطرة ، لكن في حالتي ليست قطرة وإنما فتوحات من رب العباد.
بدأت أراسل الصحف والمجلات العربية ، فأمن بموهبتي شاعر عراقي كبير رحمه الله وكان ينشر لي مقالا شهريا في صحيفته.
ثم بدأت أطور كتاباتي التي كانت مقصورة على الفكر الفلسفي ، وبالفعل تواصل معي موقع مهم جدا متخصص وكتبت طرفهم بأريحية وحرية تامة لا أحد يعترض على كتاباتي ، إلا إنهم ذات يوم أرادوا أن يستكتبوني في أمر لن أجد نفسي فيه فاعتذرت لهم
وعاودت ادراجي إلى الكتابة على جدران الفيس بوك ، منبر من لا منبر له ، ولم يصيبني اليأس وازدادت صداقاتي على الفيس وتعرفت على كتاب كثر ، منهم من تقاعد ومنهم من ينتظر سن التقاعد ، وطلبت منهم مساعدتي في نشر فكري على صفحات الجرائد ، منهم من اعتذر متعللا أنه على المعاش ، ومنهم من لم يرد على رسائلي ، ومنهم من وقف بجواري وساعدني في حدود امكانياته ودوائر معارفه.
توصلت إلى أرقام رؤوساء تحرير بعض الصحف وراسلتهم على الواتس آب منهم من رد علي ومنهم من لم يعرني انتباها على الرغم من أنني عرفته بنفسي ، لكن هي طبيعة النفس الإنسانية وكأنه لو ساعدني سآخذ مكانه وسأسحب البساط من تحت قدميه.
إلا إنني لازلت مصرا أن يصل فكري إلى الجميع وأن تخرج موهبتي إلى النور وأن يخرج المفكر المهموم بقضايا وطنه من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل ، ولازلت على إصراري حتى نشرت لي صحيفة قومية كبيرة مقالا مهما سمع في الإذاعة المصرية ، أجروا معي لقاءا إذاعيا حول تحليل المقال ، المقال عنوانه ، حال الفلسفة فى الجامعات المصرية والعربية.
وبدأت اراسل صفحات الرأي فى هذه الجريدة مرة ينشرون وعشرات المرات لا ينشرون ، أكتب للمشرف على هذه الصفحات مرة يرد علي ومرات كثيرة لا يرد ، كتبت لرئيس تحريره ، ويبدو أنهم جميعا على هذه الشاكلة لا يردون على أحد حتى بعدما تعرفهم بنفسك ، فما هذا التعالي ، هل ينبغي أن أكتب لهم أنني قريب فلان ومن طرف فلان حتى ينشرون لي.
هل الفكر الحر الواعي المستنير يقيم بهذه الصورة القميئة ، هل نقيس قيمة المفكر والكاتب الموهوب بهذا الشكل المزري.
ونشكو وتزداد الشكاية ، ما الذي أصاب الصحافة المصرية ، ما الذي جعلها تصل إلى هذا المستوى المتدني ، وضعت أيديكم على سبب رئيس ومهم ألا وهو عدم الإهتمام بالمواهب والكتاب الحقيقيين والتمركز حول مجموعة بعينها هي التي تكتب مقالات ثابتة وللأسف مقالات مكررة تحصيل حاصل لا تثري واقعنا الثقافي ولا تعالج قضايانا المعيشة.
ومن وراء الكواليس أخذني الفضول للسؤال عن عدم نشر مقالاتي ، جاءني رد نزل علي كالصاعقة ، يريد أن ينشر مقالا كل يومين ، ينشر في أماكن كثيرة ، من ينشر طرفنا لا ينشر في مكان آخر ، لدينا كتاب كثر - يا سيدي الفاضل لديكم هيئة تحرير قوموا بغربلتهم من يفيد أبقوا عليه - لكن السؤال هل يعقل أن يكون ثم تفكير بهذا الشكل ، هل الفكر حكرا على صحيفة وموقع بعينهما.
الكاتب الحر يحلق بفكره في كل الأماكن ويطوف بفكره كل الأماكن لماذا لأنه حر ويريد أن ينشره حتى يستفيد منه القراء.
تلك حكايتي مع الصحف المصرية القومية.
الغريب أنني عندما راسلت صحف عربية رحبت بفكري ونشرت لي.
وكأن زامر الحي لا يطرب.
استقيموا يرحمكم الله وأعيدوا الأمور إلى نصابها الصحيح إذا أردتم نهضة حقيقية لصحافتنا القومية خصوصا صحفنا الورقية التي ألتهمتها أو كادت أن تقتلها الصحافة الإليكترونية.
#أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.