الثلاثاء 11 مارس 2025 07:11 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : الحرب عقيدة لا سياسة.. عداء الصهاينة المتجذر عبر التاريخ

الكاتب الكبير  حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

عبر التاريخ، لم يكن الصراع بين المسلمين وأعدائهم مجرد معركة على الحدود أو نزاعًا على الموارد، بل كان مواجهة فكرية وعقائدية ممتدة، تعكس كراهية متأصلة ومحاولات مستمرة للقضاء على الإسلام وأهله. الصهاينة، ومن قبلهم القوى الاستعمارية، لم يتركوا فرصة إلا واستغلوها في معركتهم المستمرة ضد المسلمين، منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا.

عداء الصهاينة في العصور القديمة: محاولات مستمرة للقضاء على الإسلام

منذ ظهور الإسلام، أدرك اليهود خطره عليهم، فحاولوا القضاء عليه في مهده. لم تكن غزوة بني قريظة وخيانة يهود المدينة إلا دليلًا على هذا العداء العميق، حيث نقضوا العهد مع النبي ﷺ في لحظة حرجة من تاريخ الدولة الإسلامية. وكذلك يهود خيبر الذين تآمروا مع قريش والقبائل الأخرى لإبادة المسلمين في غزوة الأحزاب.

لم يتوقف عداؤهم عند هذا الحد، بل امتد عبر التاريخ، فقد كانت لهم يد في الفتن التي ضربت الدولة الإسلامية، بدءًا من الفتنة الكبرى التي أدت إلى مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحتى المؤامرات التي استهدفت تفكيك وحدة المسلمين في العصور اللاحقة.

الحروب الصليبية: مواجهة دينية بامتياز

عندما انطلقت الحروب الصليبية، كان الهدف المعلن هو السيطرة على القدس، لكن الحقيقة أنها كانت حربًا شاملة للقضاء على الإسلام وإبادة المسلمين. عندما دخل الصليبيون القدس عام 1099م، ذبحوا سبعين ألف مسلم في المسجد الأقصى، وكانوا يتباهون بأن دماء المسلمين وصلت إلى ركب الخيول.

ولم يكن الأمر مجرد طموح عسكري، بل كان صراعًا دينيًا متجذرًا، حيث كان الصليبيون يرفعون الصليب ويقاتلون تحت رايته، ولم يكن هناك أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية بقدر ما كانت المسألة عقائدية بامتياز.

لكن صلاح الدين الأيوبي استطاع استرداد القدس في معركة حطين عام 1187م، وكان واعيًا تمامًا بأبعاد هذا الصراع، ولذلك لم تكن معركته مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت استعادة لهوية الأمة ودينها.

الاستعمار الأوروبي: إعادة إنتاج الحروب الصليبية

لم تتوقف محاولات الغرب للقضاء على الإسلام عند الحروب الصليبية، بل عادت في ثوب جديد مع الاستعمار الأوروبي الذي اجتاح العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

عندما دخل الجنرال الفرنسي غورو دمشق عام 1920، لم يتوجه إلى القصر الحاكم أو القلعة العسكرية، بل ذهب إلى قبر صلاح الدين الأيوبي، وركله بقدمه قائلاً: "ها قد عدنا، قم يا صلاح الدين إن كنت شجاعًا!".

وكذلك فعل الجنرال الفرنسي ليوتي عندما دخل مراكش، حيث توجه إلى قبر يوسف بن تاشفين، وركله قائلاً: "انهض يا بن تاشفين، لقد وصلنا إلى عقر دارك!".

وكان الهدف واضحًا: لم يكن الاستعمار مجرد احتلال اقتصادي، بل كان استمرارًا للصراع الصليبي ضد الإسلام، ومحاولة لمسح أي أثر للمقاومة الإسلامية من الذاكرة الجماعية للأمة.

الصهيونية الحديثة: العدو الأبدي للمسلمين

لكن العداء الأخطر جاء مع ظهور الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، والتي نجحت في إقامة كيان احتلالي في قلب العالم الإسلامي. لم يكن وعد بلفور عام 1917 مجرد وثيقة سياسية، بل كان إعلانًا صريحًا لحرب دينية تهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وإقامة دولة يهودية خالصة.

ومنذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948، لم يتوقف العداء لحظة واحدة. كانت المجازر جزءًا أساسيًا من سياستهم، من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا، ومن قانا إلى غزة. لم يكن الهدف فقط احتلال الأرض، بل تدمير الهوية الإسلامية والعربية، ومحو أي أثر للمقاومة.

وعلى مدار العقود الماضية، استمر الكيان الصهيوني في تنفيذ مخططاته العدائية، سواء من خلال الحروب العسكرية أو عبر الحروب النفسية والإعلامية التي تهدف إلى تفكيك الأمة الإسلامية من الداخل، وإلهائها عن معركتها الحقيقية.

لماذا يرفعون كتبهم المقدسة ونحن نخجل من ديننا؟

في كل هذه المعارك، كان أعداء الإسلام يدركون أن قوتهم الحقيقية تأتي من عقيدتهم، ولذلك لم يترددوا لحظة في إعلان ارتباطهم الديني بحروبهم.

عندما غزا جورج بوش العراق عام 2003، وقف قائلاً: "إنها حرب صليبية".

عندما رفع دونالد ترامب الإنجيل، كان يخاطب قاعدته الدينية المتطرفة، بينما صمت القادة العرب وكأن الأمر لا يعنيهم.

عندما رفع قادة الكيان الصهيوني التوراة وهم يعلنون احتلالهم لفلسطين، لم يكن هناك أي سياسي عربي يجرؤ على الرد بالمثل، وكأن الإسلام لم يعد جزءًا من معادلة الصراع.


الحرب مستمرة.. لكننا فقدنا البوصلة

الحقيقة الواضحة التي لا يمكن إنكارها أن الحروب التي شُنت على الأمة الإسلامية كانت دائمًا حروبًا دينية، بينما حاول البعض إقناعنا بأنها مجرد نزاعات سياسية.

لكن الأعداء لا ينسون، فهم يدرسون التاريخ جيدًا، ويعلمون أن المسلمين لا يُهزمون إلا عندما يبتعدون عن دينهم. ولهذا عملوا جاهدين على فصل الأمة عن هويتها الإسلامية، وتشويه صورة الإسلام، ونشر الفتن والانقسامات بين المسلمين، حتى لا تعود الأمة إلى وحدتها وقوتها.

اليوم، بينما يستمر الصهاينة في اعتداءاتهم، ويواصل الغرب دعمه المطلق لهم، علينا أن نتساءل: هل نعي حقيقة الصراع؟ هل ندرك أن المواجهة ليست مجرد سياسة، بل هي حرب على الإسلام؟ هل نملك الشجاعة لنعود إلى ديننا ونستعيد قوتنا الحقيقية؟

إن المعركة لم تنتهِ، ولن تنتهي، إلا إذا وعى المسلمون حقيقتها، واستعدوا لمواجهتها بعقيدتهم قبل سلاحهم. فالتاريخ يعلمنا درسًا واضحًا: الأمة التي تتمسك بدينها تنتصر، والأمة التي تتخلى عنه تُهزم.