الأربعاء 12 مارس 2025 07:52 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. أحمد يوسف يكتب عن : النقد الانطباعي

دكتور احمد يوسف
دكتور احمد يوسف

انتقلت مناهج النقد الأدبي ونظرياته انتقالات واسعة في بلاد العالم المتقدم، وفي بعض البيئات العلمية القليلة في بلادنا، ومازال نفر كثير ممن يظنون في أنفسهم أنهم على ذكر بهذا العلم
ومناهجه ونظرياته يرددون مقولات لم يعد أهل التخصص يلتفتون إليها. ومن ذلك قولهم بأن النقد الأدبي ظل للعمل الأدبي وأن الناقد من ذوي العلم والمعرفة تابع للكاتب أو الشاعر، وأن النقد الأدبي نص مواز للعمل الأدبي. إن الذين يرددون هذا الكلام لم يخرجوا من دائرة النقد الانطباعي الذي نود التنويه به عسى ان تزول الأوهام، وأن نرسخ مبدأ أن الأدب فن، وأن دراسته علم، وشتان بين عمل المبدع وعمل الناقد العالم.
النقد الانطباعي لون من ألوان النقد الأدبي والفني، وهو لون موجود في كل الثقافات الإنسانية الكبرى يعتمد على قدرة العمل الأدبي على إثارة وجدان الناقد وعواطفه، أو إثارة حاسته الجمالية(الذوق). فهو انطباعي بمعنى أنه قائم على رد الفعل المتحرر من القواعد والمباديء المعمول بها في ألوان النقد الأخرى. لذلك نجد هذا النقد في تاريخ النقد العربي كما نجده في تاريخ النقد الأوربي. والناقد الانطباعي على الرغم من تمرده على كل القواعد والمقاييس، فإنه لا يفارقها كلية، وإنما ينطلق من صداها وصدى ثقافة عصره في نفسه وذوقه ومدى استجابته للمثيرات الجمالية في العمل الأدبي، غير أن هذا الناقد الانطباعي متحرر من الالتزام بأية خطة معلنة في نقده. لذلك قد نجده يبدأ الحديث عن العمل المنقود ثم يفارقه تماما بالاستطراد في أمور أخرى
وهذا اللون من النقد الانطباعي جاء بوصفه رد فعل على النقد السياقي الذي اقتدى بمناهج العلوم الأخرى في موضوعيتها ودقتها، وذلك في نهاية القرن التاسع عشر وكان لذلك أسبابه:
أولها: أن أنصار " الفن للفن " نادوا بانطواء الفن على ذاته أي أن الفن في ذاته قيمة ينبغي التوقف عندها بدون النظر إلى سياقاتها المختلفة. فأنصار النقد السياقي لم يهتموا بالمعطيات الجمالية للعمل، وعلى هذا فأنصار " الفن للفن " مثلوا رد فعل ثائرا على النقد السياقي وتأثروا تأثرا قويا بالنظرية الوجدانية التي أكدت أن الفن انفعال، وأن تلقيه مثل مصدره.
ثانيا: أن أنصار هذا النقد رأوا أن النقد الموضوعي لا وجود له على غرار أن الفن الموضوعي لا وجود له. يقول أوسكار وايلد: "إن النقد الموضوعي لا وجود له مثلما أن الفن الموضوعي لا وجود له. وكل من يخدعون أنفسهم فيعتقدون أنهم يضعون في أعمالهم أي شيء غير شخصياتهم إنما هم واقعون في أشد الأوهام بطلانا. فحقيقة الأمر هي أننا لا نستطيع أبدا أن نخرج عن أنفسنا.
ثالثا: أن أنصار هذا اللون من النقد لم يرفضوا النقد الموضوعي فقط، ولكنهم تشككوا أيضا في أي نقد يقوم على قواعد نقدية مستمدة من أية نظرية نقدية، لأن هذه القواعد – في رأيهم – تقف حائلا بين الناقد والاستجابة الانفعالية للعمل للمقروء أو المنقود. وبناء على ذلك فإن أية معارف سابقة مستمدة من التاريخ أو الاجتماع أو علم النفس أو اللغة، لا تفيد الناقد في شيء
ومن أعلام هذا اللون من النقد، الناقد الفرنسي أناتول فرانس وله عبارة مشهورة تصور هذا النقد: "إن الناقد الجيد هو الذي يروي مغامرات روحه بين الأعمال الفنية الكبرى" إن عمل هذا الناقد أشبه بالسباحة في مياه واسعة ليست لها حدود مرئية أو معروفة. وهو بتمرده على كل القواعد يبحث عن حريته في تلقي الأعمال وهي حرية مطلوبة في ذاتها لأن مهمة هذا الناقد ليست إصدار حكم على العمل أو تفسيره للقاريء. والنقد الانطباعي لا يهدف إلى شيء إلا ذاته فهو كالفن. ويمكن القول إن آفة هذا اللون من النقد هي أنه لا حدود له. فالناقد لا يرتبط ببنية العمل وهو بالنسبة له نقطة بداية قد لا يعود إليها. وإذا كان النقد السياقي يخرج عن العمل المنقود إلى آفاق معرفية أخرى، فإن النقد الانطباعي يشجع عمدا على الخروج عن الموضوع، وعن العمل المنقود.

دكتور أحمد يوسف ال نقد الانطباعي الجارديان المصرية