الجمعة 14 مارس 2025 07:00 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب : والشهداء عند ربهم لهم أجرهم

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ هذه جملة قرآنية وردت في قوله تعالى: {وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُو۟لئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّیقُونَۖ وَٱلشُّهَدَاۤءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡ}، اشتملت الآية على ثلاث صفات: الإيمان والصِّدِّيقية والشهادة، فٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ حـدَّد الله صفاتهم في قوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، والصِّدِّيقُونَ جمْع (صِدِّيق) وهو الذي بلغ الغاية في الصِّدْق والتصديق للحق اعتقادا وقولا وعملا أي بالقلب واللسان والجوارح، والصِّدِّيقِيَّة صفة للأنبياء، فقد ذكر القرآن {صِدِّيقا} وصفا لإدريس وإبراهيم ويوسف عليهم السلام، وإن لم يكُن الصِّدِّيق نبيا فهو مُلْحق بالنبي في المنزلة كأبي بكر؛ «اثْبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ وصِدِّيقٌ وشَهِيدَانِ»، ووصف القرآن مـريـم بأنها {صِدِّيقَةٌ}؛ وذلك لأن الصِّدِّيق وصل إلى كمال الإيمان والإخلاص والإنقياد لله؛ ولذا قُـدِّم ترتيبه على غيره من المؤمنين في قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}، وٱلشُّهَدَاۤءُ جمْع (شَهِيد)، وهو الذي قُتِل مجاهدا في سبيل الله، وسُمِّيَ شهيدا لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، ولأنه حَـيٌّ لم يمت فهو شاهد أي حاضر، ولأنه شهد ما أعــدَّ الله له من الثواب والكرامة، ويُحتمَل أن {ٱلشُّهَدَاۤءُ} جمع (شاهد) بالمعنى الوارد في قوله تعالى: {وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ}، فتكون الشهادة صفة للأمة.
ــ والمراد من الآية يتوقف على الوصل والوقف في قوله: {ٱلصِّدِّیقُونَۖ وَٱلشُّهَدَاۤءُ}، ففي حالة الوصل تكون الواو للعطف و{ٱلشُّهَدَاۤءُ} معطوف على {الصِّدِّيقُونَ}، والمعنى أن الذين آمنوا بالله ورسله عند الله هم بمنزلة الصِّدِّيقِين الَّذِينَ سَبَقُوا إلى التَّصْدِيق بالحق والشهداءِ الذين اسْتُشْهِدُوا في سَبِيلِ اللَّهِ، وجُملة {لَهُمْ أجْرُهم ونُورُهُمْ} خبرٌ ثانٍ لـ{ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟}، والضَّمِيرانِ في {أجْرُهم ونُورُهُمْ} للصَّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ، والمعنى أن المؤمنين لهم أجر ونور كأجْـرِ الصَّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ ونُورِهِم، وحُذِفَت أداةُ التَّشْبِيهِ للدلالة عَلى قُــوَّة المُشابهة وبُلُوغِها حَدَّ الكمال، ويُحتمَل أن الضَّمائِر كُلَّها تعود على {ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟}، والمعنى أنهم هم المُبالِغُون في الإيمان والتصديق والشهادة لله، فلهم ما يَلِيقُ بِهِمْ من الأجْر والنُّور.
ــ ويعضد قراءة الوصل أن «رَجُلا جاءَ إلى النَّبِيِّ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أرَأيْتَ إنْ شَهِدْتُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وصَلَّيْتُ الصَّلَواتِ الخَمْسَ وأدَّيْتُ الزَّكاةَ وصُمْتُ رَمَضانَ وقُمْتُهُ فَمِمَّنْ أنا؟ قالَ: مِنَ الصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ»، ورُوِيَ أن الآيـة نزلت في تسعة نَفَر سَبَقُوا أهْلَ الأرْضِ في زَمانِهِمْ إلى الإسْلام، وهم أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وعَلِيٌّ وحَمْزَةُ وطَلْحَةُ والزُّبَيْرُ وسَعْدٌ وزيْـدٌ، ولا توجد قرينة تخصِّص الآيـة، فتبقى أنها مطلقة لعموم المؤمنين.
ــ وفي حالة الوقف على {الصِّدِّيقُونَ} يكون {ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ} مبتدأ خبره {أُو۟لَئكَ هُمُ ٱلصِّدِّیقُونَ}، والمعنى تـمَّ، والواو ابتدائية، و{ٱلشُّهَدَاۤءُ} مُبْتَدَأٌ خبره {لَهُمْ أجْرُهُمْ}، ويؤكد هذا قولُ ابنِ عباس بأن {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} مَفْصُولَةٌ سَمّاهم الله صِدِّيقِينَ، ثُمَّ {الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهم أجْرُهم ونُورُهم}، وعلى هذه القراءة اختُلِف في المُرادِ بِالشُّهَداء، فقيل: هــم الأنبياء الذين يَشْهَدُون لله بالوحدانية، وقيل: هم المجاهدون الذين نالوا الشهادة في سبيل اللَّه، وقد مدحهم الله بقوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}، لكن الشهداء كُثُر، ففي الحديث «مَرِضَ صحابي فأتاهُ النَّبيُّ يَعودُه فقالَ قائلٌ من أهلِه: إن كنَّا لنَرجو أن تَكونَ وفاتُهُ قَتلَ شَهادةٍ في سبيلِ اللَّهِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ: إنَّ شُهداءَ أمَّتي إذًا لَقَليلٌ»، ثم قال النبي: «الشَّهَادةُ سبْعٌ سوى القتلِ في سبيل الله، المطعونُ شهيد والمَجْنوبُ شهيد والمبطون شهيد والغرِيقُ شهيد والحَريقُ شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجُمْع شهيدة»، والجُمْع: الحامل تجمع جنينها معها، والمجنوب الذي يموت بالْتِهابِ رئوي يُسبِّبُ سُعالًا وحُمَّى ووجَعًا في الجنب يَظهَر عند التَّنفُّس، والمراد من الحديث أنهم شهداء في الثواب، ولا تنطبق عليهم خصائص شهيد الحرب، فهو لا يُغسَّل ويُكفَّن في ثيابه ولا يُصَلَّى عليه؛ لأن الشهداء {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، ومن خصائصه ما جاء في قول النبي: «للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ: يُغفرُ لهُ في أول دفعة، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ مِنْ عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقار الياقوتةُ منه خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ».

دكتور علاء الحمزاوى الجارديان المصرية مقالات الدكتور علاء الحمزاوى والشهداء عند ربهم لهم أجرهم