السيناريست عماد النشار يكتب : نكاح الرهط والبغايا في دراما رمضان...سقوط فني أم سقوط قِيَمي؟


هل بلغ بنا الانحطاط باسم الفن أن تُعرَض على الشاشات مشاهد تُحاكي أحطَّ أشكال العلاقات التي عرفتها الجاهلية، تحت ستار الدراما والكوميديا؟ هل أصبحت صناعة المسلسلات في رمضان ساحةً لتمرير الإسفاف والابتذال دون حسيب أو رقيب؟
ما نشهده اليوم في بعض الأعمال الدرامية، مثل مسلسل أشغال شقة، ليس إلا تجاوزًا فجًّا لكل حدود الإبداع والدراما الهادفة. فالمشاهد التي تُجسّد نكاح الرهط ونكاح البغايا، والتي لم تعد تخفى على أحد، ليست سوى عبثٍ مجانيٍّ يُعاد تدويره على الشاشات في صورة مبتذلة، لا تحمل أي قيمة فنية أو فكرية.
يتمحور أحد المشاهد الوقحة والمروِّجة للفجور حول امرأة ارتكبت فاحشة الزنا مع عدة رجال لا تعرف عددهم، وحملت من أحدهم. وحين خافت على جنينها من ضياع نسبه، ذهبت للإبلاغ عن جريمتها. ولأن القانون لا يعتبر ذلك جريمة في ظل عدم اتهام زوجها "الديوث" لها، كلّفت الجهات الرسمية الطب الشرعي بتولي الأمر لكشف هوية الأب. وعندما سُئِلت عن اسم الرجل الذي تتهمه بمعاشرتها، بدأت تسرد أسماء عدد من الرجال باستخفافٍ وفجور، أمام ملايين المشاهدين، وكأنها تتحدث عن أمرٍ هيّن، وليس عن ترويجٍ صريحٍ للدعارة تحت ستار الفن والإضحاك والترفيه. كل ذلك في شهر رمضان، دون مراعاة لحرمته، أو للقيم والأخلاق، في مشهدٍ مستهترٍ بقوله تعالى: "تحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم".
ولمن لا يعرف نكاح الرهط والبغايا، الذي انتقل من الجاهلية إلى الشاشة، فالأمر لم يكن عبر صناديد قريش، الذين أكاد أجزم أنه لو كانوا بيننا لاستحوا من تناول هذا الانحطاط خشيةً على سمعتهم وأعراضهم وأنسابهم. كان نكاح الرهط في الجاهلية يتم عندما تعاشر المرأة عدة رجال، وعند ولادتها تختار أحدهم ليكون الأب، دون أن يكون له حق الرفض. أما نكاح البغايا، فكان أشبه بالدعارة المنظمة، حيث تضع المرأة رايةً على بابها ليأتيها الرجال، وعند إنجابها يُحدد القافة (المتخصصون في الأنساب) من يشبه الطفل، فيُنسب إليه.
وقد جاء الإسلام ليحرّم هذه الفواحش، ويقيم مجتمعات قائمة على الطهر والعفة. لكن أن يُعاد إحياء هذه الممارسات الجاهلية عبر الدراما، وبصورة رخيصة لا تخدم سوى الإثارة المبتذلة، فهو أمرٌ يثير التساؤل: إلى أي مدى يمكن أن يصل الاستهتار بالقيم والأخلاق تحت ذريعة "الفن"؟
كيف مرّت هذه المشاهد دون عقابٍ أو مساءلة، بينما تم تجريم طبيبة كفر الشيخ وحبسها ومحاكمتها بسبب تفوهها بمثل هذه الجريمة بشكلٍ عفوي؟
لم تتوقف المشاهد عند هذا الحد، بل إن إحدى أكثر المشاهد صدمةً في هذا العمل هو مشهدٌ تتفوّه فيه المتهمة بالزنا بعبارة ساخرة: "اللهم ذكّرنا"، كي تكمل عدد من واقعها، وكأن الأمر مجرد مزحةٍ سمجة تُلقى في شهرٍ مقدس، دون مراعاةٍ لجلال الله عز وجل، القائل في محكم تنزيله: "ما لكم لا ترجون لله وقارًا"، وأمام جمهورٍ يضم الأسر والأطفال.
أين المدافعون عن حقوق المرأة من هذه المهزلة؟ أين الجمعيات النسوية التي تدّعي محاربة العنف ضد المرأة، بينما تُصوَّر المرأة هنا وكأنها "مبولة" في مرحاضٍ عام، بل أقل من سلعةٍ رخيصةٍ تُباع وتُشترى؟ لماذا الصمت على هذه المشاهد التي تحطّ من قدر المرأة أكثر مما تفعله المجتمعات الذكورية التي يحاربونها؟
المهزلة لا تقف عند المرأة فقط، بل تمتدُّ لإهانة الطب الشرعي، الذي يُعدّ واحدةً من أهم ركائز العدالة، حيث يتم تقديمه بصورةٍ عبثية، تُثير السخرية من إجراءاته وقراراته، وكأننا أمام محكمةٍ هزلية لا يُعوَّل عليها في كشف الحقائق وإحقاق العدالة.
كيف يُسمح لمثل هذا التشويه بالمرور عبر الرقابة؟ وأين هيئة الطب الشرعي ووزارة العدل من هذه الإساءات المتكررة لمؤسساتها؟
ليس المطلوب أن يكون الفن خطبةً وعظية، لكن أن يتحوّل إلى مساحةٍ لتكريس الانحلال بحجة الجرأة، فهذا سقوطٌ مدوٍّ لا علاقة له بالإبداع. إن الفن مسؤولية، والحرية يجب أن تكون مقيّدةً بحدودٍ تحترم المجتمع وقيمه وثوابته.
ختامًا...
إن أخلاق المجتمع ليست مجرد شعاراتٍ تُرفع، بل هي خطوطٌ حمراء لا يجوز تجاوزها باسم الدراما أو الكوميديا. وإذا كان هناك من يبرر هذا الابتذال بحجة الواقعية، فليتذكر أن الواقعية الحقيقية لا تعني التسطيح والانحدار، بل تعني تقديم أعمالٍ تعكس قضايا المجتمع بذكاءٍ واحترام، لا عبر الإغراق في الابتذال الرخيص.
هذا بلاغٌ لسيادة النائب العام للتحقيق في هذه الجرائم، سواءً لإشاعة الفاحشة أو السخرية من هيئة الطب الشرعي، أحد ركائز العدالة التي تحظى بثقةٍ واحترام الجميع.