حسين السمنودى يكتب : الحرب التجارية العالمية... ترامب في ولايته الثانية يشعل المواجهة الاقتصادية الكبرى


لا تزال آثار الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ ولايته الأولى تتسع، لكن في عام 2025، ومع عودته إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، أصبح العالم على موعد مع فصل جديد من المواجهات الاقتصادية الطاحنة، التي لم تعد تقتصر على الولايات المتحدة والصين فقط، بل امتدت إلى أوروبا، وكندا، والمكسيك، والهند، ودول أخرى عديدة.
رفع الجمارك لم يعد إجراءً استثنائيًا، بل أصبح أداة رئيسية في يد ترامب لفرض الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وتحقيق ما يسميه بـ"العدالة التجارية"، بينما يراه كثيرون في العالم صورة واضحة من صور الابتزاز السياسي والاقتصادي.
وفي قلب هذه المعركة يقف التنين الصيني، الخصم الأكبر في نظر ترامب، الذي يرى أن الصين سرقت وظائف الأمريكيين، واستفادت لعقود من انفتاح السوق الأمريكية دون أن تفتح أسواقها بالمثل. رفع الرسوم الجمركية على مئات المنتجات الصينية، وفرض قيودًا إضافية على شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة، مثل "هواوي" و"تينسنت" و"بايت دانس"، في محاولة لإضعاف نفوذ بكين عالميًا.
بالمقابل، تحركت الصين هي الأخرى لتقليص اعتمادها على الدولار الأمريكي، وعززت تحالفاتها مع روسيا، ودول البريكس، وأفريقيا، وبدأت في استخدام عملتها المحلية اليوان في المعاملات الدولية، وهو ما يُعد تحديًا غير مسبوق للهيمنة المالية الأمريكية.
والمثير في الأمر أن السياسات الحمائية لترامب لم تستثنِ حتى حلفاء أمريكا التقليديين، فقد تم فرض رسوم جمركية على السيارات الألمانية، والجبن الفرنسي، والآلات الإيطالية، ما أدى إلى تدهور حاد في العلاقات الاقتصادية بين ضفتي الأطلسي. الاتحاد الأوروبي لم يقف مكتوف الأيدي، ورد بفرض تعريفات على سلع أمريكية مثل الجينز، والدراجات النارية، وبعض منتجات الزراعة.
هذه الحرب الصامتة دفعت أوروبا للبحث عن استقلال اقتصادي عن أمريكا، بل وزادت من وتيرة الحديث عن إنشاء "نظام مالي أوروبي بديل" عن النظام الذي تهيمن عليه واشنطن، خاصة في ظل استخدام أمريكا للعقوبات كوسيلة للضغط السياسي.
أما الدول النامية، فقد وجدت نفسها في مأزق، فهي بين مطرقة السوق الأمريكية وسندان الشروط الصينية. بعض هذه الدول تضررت بشدة من هذه المواجهات، خصوصًا تلك التي تعتمد في صادراتها على السوق الأمريكية أو تلك التي تستورد تقنيات صينية بكثافة. ومع تزايد التوترات، أصبح الدخول في شراكة تجارية مع أحد القطبين محفوفًا بالمخاطر السياسية والاقتصادية.
وقد أدت هذه السياسات إلى تآكل الثقة في منظمة التجارة العالمية، التي أصبحت عاجزة عن فرض التزامات واضحة أو حماية الدول الضعيفة اقتصاديًا. لم يعد النظام القائم على التعددية الاقتصادية فعالًا، وأصبحت الاتفاقيات الثنائية تُدار بميزان القوة لا بالقانون الدولي.
بل إن بعض الخبراء يرون أننا نعيش مرحلة "ما بعد العولمة"، حيث لم تعد حرية التجارة هي القيمة العليا، بل أصبحت كل دولة تسعى لحماية نفسها أولًا، في مشهد يعيد للأذهان الأزمات التي سبقت الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
ووسط كل هذا الصراع، يدفع المواطن العادي في كل مكان الثمن. الأمريكيون يواجهون ارتفاعًا في أسعار الإلكترونيات والسلع الاستهلاكية. الأوروبيون يشعرون بالقلق من فقدان وظائف مرتبطة بالصادرات. الصينيون يراقبون ارتفاع تكاليف إنتاج بعض المنتجات. والأسواق الناشئة تعاني من تقلبات في العملة والتضخم بسبب الارتباك في سلاسل الإمداد العالمية.
الخلاصة... هل نحن على حافة أزمة اقتصادية جديدة؟
السياسات الترامبية في 2025 لا تضعف خصوم أمريكا فقط، بل تهدد استقرار النظام الاقتصادي العالمي برمته. فبينما يسعى ترامب إلى تقوية الاقتصاد الأمريكي، فإنه في ذات الوقت يسحب العالم كله إلى معركة مفتوحة لا رابح فيها على المدى البعيد. فهل يتدارك العالم الكارثة قبل الانفجار الكامل؟ أم أننا بالفعل نسير نحو أزمة اقتصادية عالمية جديدة ستكون أعمق من كل ما سبق؟