الأديبة اللبنانية حسناء سليمان تدتب : ذلك اليوم!…(قصة قصيرة)


ذلك اليوم
لم ترتدِ الأبيض في عرسها
استعجلوا في رحلتها إلى المجهول
كانت كلُّ العيونِ تنظرُ إلى وجهِها الصّبوح،
إلى قامتِها الممشوقة، وشعرِها المخصّل
فالشّمسُ في ضيعتِها لامَستْه وغمرتْهُ بأشعّتِها الذّهبيّة
أمّا المدعوون ، فقد باتوا ينتظرون منها إجابة واحدة :
"لا أقبل "…
لم ترتدِ الأبيض ذلك اليوم، تركت بيت أبيها دون غصّة
المغامرة ظلامٌ ،قد يُبشّر بفجر جديد
أحسّت أنّ الوقت قد حان ، قلبها ينقبضُ بشدّة…
ويعود بها الفكر الى : لحظة حاسمة في قرارها
هي ووالدها ينزلان من السّيّارة
الشّبابُ في البابِ المشرفِ على الطّريقِ العام
ينظرون للغادي والذّاهب
رأَوْها ،انذهلوا أمامَ إطلالتِها البهيّة
تفوّهوا بكلمات لم يحتملْها الأبُ
صرخ بهم ،يشتِمُهم في عقر ديارهم
تلك اللحظة ما أصعبها !…لحظةٌ ،غدت مفصليّةً في حياتها!…
إنّه الـخوفُ على أبيها الشّهم …ووالدُها الشّهم طبعُه من نارٍ وثلج
و… ويرنُّ في أذنيها سؤال يرجعها إلى الواقع …
ينتظر المدعوّون ،إجابةً واحدة :
"لا أقبل " !…
وإن لم ترتدِ الأبيض كما كانت تحلم!…
الثّوبُ ليس الأساس !…طريقُها ستُكْمِلُه ،إلى المجهول
(قصّة بعضها واقع امرأة ،وبعضها خيال
قسّمتها إلى جزءين
في أيّامٍ ، بات َ مَن يقرأ بشغف قلّة)...
نَظَرَتْ إلى ثوبِها ،يراودُها الحلمُ نفسُه:
ثوبُها الطّويل يضمُّ جسدَها النّقيّ البارد
سَيُحِبُّها زوجُها، ستَلُفُّها نظراتُه كأنّه يحتضنُ جوهرةً بين يدَيْه…
وإن لم ترتدِ الأبيض كما كانت تحلم!…
ملكةٌ هي في وِقْفَتِها ،والقلبُ يدثِّرُهُ الخفقان …
خفقانُ قلبٍ ،باقةُ ورودٍ بيضاء ،متلهّفةٌ للعطر
وهناك!… في كنيسةٍ صغيرة ، تاريخُها عظيمٌ قديم…
-كانت ترتادُها وأمَّها وأخواتِها، أيّام الآحاد للصلاة-
السّنديانةُ في الخارج شاهدة !…
قالت:
"نعم أقبل"
وكان المجهولُ أصعبَ أيّامِ حياتِها
إنّما الأشواكُ الجارحة،قدِ انبثقت منها أجملُ الورود!…
وتلك الخطواتُ الّتي لازمَتْها في دُنياها غدت إشارةً مباركة
فعرِفَتْ وأيْقَنَتْ، أنّ الرّبَّ المُحِبَّ لن يتركها…
ولن تكونَ وحدَها…
وتتذكّرُ دومًا لحظاتِ فرحٍ ،في أرضِهم المترامية!…
عندما ذاتَ صبيحةٍ !… هتفَتْ عند جذعِ صنوبرتِها العتيقة :
"سبحانك يا الله ، ما أجمل جنّتَنا على الأرض!"…
ولم !… لم يسمعْها سوى العصافير
والقدرُ السّاخرُ ، الخاسرْ…
راحَ يُقَهْقِهُ ،ويستفزُّ زقزقاتِ حُلُمِها الجميل…
وهي تلامسُ النّور… وتتوهّج السّعادة في قلبها …