الثلاثاء 15 أبريل 2025 08:40 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : ”هي فوضى.. ومازالت فوضى”

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

تابعت مثل الملايين داخل مصر وخارجها أزمة «تجمهر الخيالة أمام المدخل الجديد للأهرامات»
وسوف أعلق على هذه الأزمة من منظور "العلاقات العامة" الإحترافية:
والقصة الخبرية كما تناولتها وسائل الإعلام التقليدية، وما تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تدور حول الوقائع المؤسفة والمخزية التي حدثت في أثناء افتتاح مشروع تطوير منطقة هضبة الأهرامات. وهذا الحادث الذي يمس سمعة الإدارة المصرية بشكل عام. فخلال اليوم الأول من التشغيل التجريبي لمشروع تطوير منطقة هضبة الأهرامات الذي أصبح حديث العالم وانتشر كالنار في الهشيم بمختلف منصات التواصل الاجتماعي حول العالم،
وهو المشهد الذي أوضح بشكل كبير ضعف الإدارة، وكشف غياب التنسيق، وأسقط ورقة التوت عن أداء الحكومة في حدث كانت تعقد عليه آمال الدولة المصرية لتعزيز مكانتها السياحية أمام العالم مرة أخرى» وكما عبرت عنه الدكتورة مها عبدالناصر عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي.
والتي أشارت فيه إلى أننا أنتظرنا جميعًا بفارغ الصبر افتتاح مشروع تطوير هضبة الأهرامات بوصفه نقلة نوعية لتحديث إدارة المواقع الأثرية في مصر، وتحقيق تجربة سياحية متطورة وآمنة ومنظمة تليق بمقام أعظم أثر عرفته البشرية، ولكننا فوجئنا بمشهد عبثي لا يمت بأي صلة إلى مفاهيم التطوير الحديثة، ولا إلى معايير إدارة المواقع الأثرية المحترفة التي تتعلمها اليوم أجيال جديدة في الجامعات المصرية والعالمية. وحيث قالت في طلب إحاطة للجهات المعنية والتي (لا نعلم ما هي) أن الجميع داخل مصر وخارجها شهد تجمهر عدد كبير من الخيالة والهجانة أمام المدخل الجديد للمنطقة على طريق الفيوم، قطع الطريق أمام الزائرين والحافلات السياحية الكهربائية، مما أدى إلى شلل تام في حركة الدخول والتنقل داخل المنطقة، وسط هتافات احتجاجية عشوائية، وتعطيل متعمد لرحلات السياح الأجانب والمصريين، الذين جاءوا ليشهدوا تجربة جديدة فوجدوا أنفسهم وسط اضطرابات مهينة، دون تدخل عاجل من الجهات المسؤولة أو خطة طوارئ تليق بحجم الحدث. وأردفت عضو مجلس النواب: أن ما يزيد الأمر خطورة أن هذه الأزمة كشفت عن خلل عميق في طريقة إدارة الملف السياحي والأثري في مصر، حيث اتضح أن الحكومة لم تقم بأبسط خطوات إدارة المواقع الأثرية الحديثة
ويعد مشروع تطوير منطقة أهرامات الجيزة أحد المشروعات القومية الكبرى التي أطلقتها الحكومة المصرية بالتعاون مع القطاع الخاص ممثلاً بشركة أوراسكوم بيراميدز، بهدف تحسين التجربة السياحية ورفع كفاءة الخدمات في واحدة من أهم المواقع الأثرية عالميًا
وبدأ التخطيط للمشروع في 2009 لكنه توقف بسبب الأحداث السياسية في 2011 واستُؤنف العمل في 2016، ليكتمل بنسبة 100% في 2025 بتكلفة تقديرية تصل إلى 400 مليون جنيه، بتمويل حكومي وتنفيذ من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة
وتعليقاً عن هذا الأمر من منظور مهنة ووظائف العلاقات العامة والتي تمارسها المؤسسات الحكومية شكلياً والتظاهر بممارستها، وكأنها وظيفة التشهيلات وتنظيم المهرجانات والاحتفالات وتطبيق البروتوكلات السطحية.

أولاً، أنا شخصياً لا أعلم من هي المؤسسة الرئيسية المسؤولة عن هذا الموقع الاثري الوحيد والأوحد في الكرة الأرضية، هل نتوجه إلى مجلس الوزارء، أم وزارة السياحة والآثار بما فيها هيئة تنشيط السياحة، أم وزارة التنمية المحلية، أم وزارة الداخلية، أم محافظة الجيزة، أم قطاع منطقة الاهرامات. فالأمر برمته مربك ومرتبك ومشوش.

ثانياً: لو لدى اي من الجهات الحكومية المسؤولة إدارة مهنية محترفة للعلاقات العامة، والتي تقوم بدورها المهني المفترض، وهو أن تقوم بتخطيط وتنفيذ الدراسات المسبقة كجزء من مشروع التطوير لدراسة مستوى التنسيق وإدارة العلاقات مع كل الاطراف ذات الصلة وصاحبة المصلحة من كل الأطراف المعنية بما فيها قطاع أهلي يسيطر على هذه المنطقة منذ عقود زمنية عديدة والذين يطلق عليهم بلطجية الخيالة والهجانة في "نزلة السمان" وخبراء وزارة السياحة والتي أثبتت التجارب أنها بلا فاعلية ولا تحكم، بالإضافة إلى قطاع الأمن للمواقع الأثرية والمتهمون بالتواطئ والتخاذل والفساد، ومعهم الشركات المسؤولة عن التطوير، وشركات السياحة وشركات الخدمات السياحية. وذلك من أجل التنبؤ بردود الأفعال المتوقعة من عمليات وإجراءات التطوير التي تمس مصالحهم وحقوقهم المكتسبة لسنوات لعدم الإنضباط والجهل بالمصالح العليا للدولة.ولأن بالفعل إن تجاهلهم يعني فشل أي خطة.

ثالثاً: إن عدم التنسيق بين الجهات الحكومية المسؤولة عن هذا الملف، حتماً كان يوحي بهذه الفوضى المخزية. وهو ما يشكل إدانة صريحة للأداء الحكومي، ويؤكد أن المشكلة لا تكمن في الخطة ذاتها بل في سوء التنفيذ وانعدام التنسيق بين الجهات المعنية.
وهذا ما يطلق عليه في وظائف العلاقات العامة "إدارة العلاقات" والذي يبدأ في تحديد الاطراف ذات الصلة، وإجراء الدراسات والبحوث والاستكشافية، ثم وضع استراتيجيات المناسبة قصيرة المدى وطويلة المدى، ثم وضع الخطط التنفيذية، ووضع النظم التنفيذية، ثم إجراء دراسات التقويم، ومن ثم إعادة النظر في الاستراتيجيات والخطط، وقبل كل هذا تحديد الهيكل التنظيمي لإدارة المواقع الأثرية والسياحية.
وكما أكدت "النائبة" في طلب الإحاطة الذي قدمته، بأن التطوير الذي لا يحترم أصحاب العلاقة بالموقع الأثري لا يمكن اعتباره تطوير من بدايته، والتجاهل المتعمد لمبادئ إدارة المواقع الأثرية الحديثة وعلى رأسها مسح أصحاب المصلحة ووضع خطط شاملة لإدارة المخاطر وتحليل تأثير التغييرات على بيئة الأثر وسلوك العاملين والزائرين، هو جريمة في حق التراث المصري

رابعاً: التواصل الفعال مع الطرف الذي أثار المشكلة والاستماع اليهم وتعليمهم من أجل إدماجهم في برامج التطوير المخطط لها، واستخدام مفهوم "البديل الثالث" والذي يعتمد على الوصول إلى الحلول التي تراعي مصالح الكل وليس استخدام اسلوب الإرغام والرضوخ، لأن هؤلاء يحيون بمفهوم "عض قلبي ولا تعض رغيفي" وسيظلون شوكة في حلق أي تطوير لا يراعي مصالحهم المباشرة ولا أكل عيش أسرهم.

خامساً وأخيراً: العودة لتحقيق أهداف العلاقات العامة والتي ببساطة واختصار هي "الإدارة المخططة والمنظمة لخلق التفاهم المتبادل بين أي مؤسسة وجماهيرها المختلفة" وألا نخلط بين الأهداف الاستراتيجية والوظائف التي تتمثل في ابتكار الرسائل والمحتوى وتحرير البيانات الصحفية وإدارة الحوارات الإتصالية بأشكالها المتنوعة، وأن نعتمد على الافعال التي تحقق النتائج بعيداً عن مجرد الأقوال المعسولة والمطمئنة، فالعلاقات العامة تعتمد على برامج التغيير المجتمعي ونشر الافكار الإيجابية وتعميق ثقافة الإهتمام بجمهور السياح محليا وعالميا.

أرجو أن يكون هذا الحادث محفز لإعادة النظر في رد الإعتبار لوظيفة ودور "العلاقات العامة" في المؤسسات الحكومية والخاصة على السواء.