الثلاثاء 15 أبريل 2025 08:37 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : الاغتيالات المعنوية لشخصيات وطنية

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

لم تعد الاغتيالات في هذا العصر مقصورة على طلقات الرصاص أو التفجيرات المدوية، بل أصبح هناك نوع أكثر خبثًا وأشد فتكًا، إنه "الاغتيال المعنوي"، حيث تُقتل الشخصيات الوطنية على صفحات التواصل الاجتماعي أو في دهاليز الشائعات الممنهجة، دون أن يُطلق عليها رصاص، ولكن تُغتال بالسمعة، بالتشويه، وبالتشكيك في النوايا والنزاهة.

والاغتيال المعنوي لا يقتصر على الشخص المستهدف وحده، بل يمتد أثره إلى المجتمع بأكمله، إذ يُفقد الناس الثقة في رموزهم، ويُسدل الستار على نماذج كان يمكن أن تُلهم الأجيال القادمة. وعندما يصبح الهجوم على الوطنيين عادة، يتراجع المخلصون إلى الظل، ويصعد الانتهازيون إلى الصدارة.

ومن بين الأمثلة المؤلمة في تاريخنا المعاصر، ما حدث مع الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة أثناء حرب أكتوبر، والذي جرى تهميشه وتشويهه بعد نصر عسكري كبير كان له فيه دور بارز. ورغم إنصافه بعد سنوات، إلا أن ما تعرض له كان اغتيالًا معنويًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

ومثال آخر في المجال العلمي، الدكتور جمال حمدان، صاحب موسوعة "شخصية مصر"، الذي تعرض لتجاهل متعمد ومحاولات لتقزيم إنجازه وفصله عن الحياة العامة، لأنه اختار أن يكون صادقًا مع علمه ووطنه لا مع أصحاب المصالح.

وفي عصرنا الحالي، نرى نماذج من الوطنيين ممن يسعون بإخلاص لبناء الوطن، يُحاصرون باتهامات لا تستند إلى أدلة، أو تُسلّط عليهم حملات إلكترونية ممولة لتشويه صورتهم أمام الناس، فقط لأنهم يقفون ضد الفساد أو يعارضون فكرًا متطرفًا أو يحاولون بناء وطن حقيقي قائم على الكفاءة لا الولاءات.

ومن الشخصيات التي تعرضت لهذا النوع من الاغتيال المعنوي، رجال الدين الأسوياء الذين حملوا رسائل الوسطية، والتنوير، والدعوة إلى الاعتدال ونبذ العنف. هؤلاء لم يسلموا من حملات التشويه، خاصة عندما تصدوا للأفكار المتطرفة، وكشفوا زيف الجماعات الإرهابية التي تتاجر بالدين. فكم من عالم جليل أُسيء إليه عمدًا، وكم من داعية وطني شريف تم نعته زورًا بالنفاق أو التلون، لأنه فقط وقف موقفًا وطنيًا ضد العنف أو دعا إلى حب الوطن.

إن بعض المنصات المغرضة تتعمد استهداف هؤلاء العلماء، ليس لذاتهم، ولكن لأنهم يمثلون جدار صد حقيقي ضد محاولات تدمير وعي المجتمع. وعندما يتم اغتيال صورتهم، تنهار الثقة في المرجعيات الدينية المعتدلة، ويُفسح المجال أمام المتشددين أو الدجالين.

وأدوات الاغتيال المعنوي كثيرة: مقاطع مجتزأة، تغريدات مغلوطة، هاشتاجات مشبوهة، صفحات إلكترونية موجهة، ومواقع إخبارية صفراء. وفي أحيان كثيرة، يكون العدو واضحًا خارجيًا، ولكن الأخطر حين يكون الاغتيال بأيدٍ من الداخل، ممن فقدوا بوصلتهم الوطنية أو باعوا ضمائرهم لأجندات معادية.

إن الاغتيال المعنوي أشد خطرًا من الجسدي، لأن أثره يمتد زمنيًا ونفسيًا، ويؤسس لحالة من الإحباط العام، ويصنع من الفراغ قادة مزيفين، ويقضي على الثقة في الكفاءات الحقيقية. فكلما اغتيل وطني شريف معنويًا، خسرنا نموذجًا، وتقدمت الرداءة خطوة إلى الأمام.

والحل لا يكون في الصمت، بل في التصدي لهذه الحملات بنشر الوعي، والتمسك بالحقيقة، ودعم الوطنيين بكل ما نملك. يجب أن ننتبه أن من يسعى لهدم الثقة في المخلصين، إنما يستهدف الوطن كله، لا الأشخاص فقط. وإذا كنا نُقدّر دماء الشهداء، فعلينا أيضًا أن نحمي سمعة الأحياء الذين يضحون في صمت.

والاغتيال المعنوي مرض خبيث ينهش الجسد الوطني، ومواجهته تبدأ بإيماننا أن حماية سمعة الشرفاء هي جزء من الدفاع عن الوطن.