دكتور محمد ابوعلى يكتب : عصمت الدين خاتون: امرأة بقلبين.. أم قلبٌ يتسع لاثنين ؟ قلب المرأة يحب مرتين وثلاثة وأربعة عادي


عصمة الدين خاتون الجميلة المستنيرة هي ابنة معين الدين أنر حاكم دمشق .
تزوجت من نور الدين محمود زنكي سنة 1147م زواجا سياسيا ثم غرقت في حبه ، وعشقها عشقا يعجز الشعراء عن وصفه ، ثم بعد وفاته تزوجت من صلاح الدين الأيوبي سنة 1176م ، وعشقته وهامت به كما هام بها ، وكأنه الرجل الوحيد الأول في حياتها ، وكانت مترددة في الموافقة علي الزواج منه وفاء وعشقا لزوجها نور الدين محمود زنكي حتي راجعتها خادمتها ، فقالت لها كلاما كثيرا منه : :
أعرف أن المحبة ليست قطعة من الحطب ، تحترق مرة واحدة ،فإذا احترقت لم تكن منها نار بعد ، إنما المحبة عمد القلب والروح ، فما دام الإنسان حيا ، وكان له قلب ، فإنه سيحب ويهوي ، ويكره ، ويبغض ، ويتجدد له هذا وذاك كلما تجددت أسبابه ، ولأن ذلك عمل القلب فلا حيلة للإنسان فيه ، إنما هو شيء يوقعه الله في القلب ، فلماذا يلوم نفسه عليه ؟ إلا أن يفضي إلي الحرام .
وأعرف أيضا أن المحبة اللاحقة لا تجب المحبة السابقة ، فكلاهما ينبعان من القلب نفسه .
بعد هذا الحوار الحجاجي الممتع انتهي تردد عصمة الدين خاتون ، وتزوجت من الناصر صلاح الدين وأحبته بشدة ، ولم تنس في الوقت ذاته فارسها الأول نور الدين محمود .
قطعة فنية حجاجية أخري بين عصمة الدين خاتون وابنها السلطان الصغير وهو يعاتبها علي زواجها من صلاح الدين بعد أبيه نور الدين :. نص يبين فلسفة المرأة ، وكيف تحب رجلين وردها علي ابنها السلطان .
أرجو قراءة هذا الحوار الجميل بين عصمة الدين خاتون وولدها السلطان ::
تقول عصمة خاتون لولدها حين عاتبها في زواجها من صلاح الدين ويرد عليها ولدها ، وينشأ هذا الحوار الحزين الجميل الممتع المدهش ::::
_لا تقسو عليّ يا ولدي
ويرد الابن علي أمه :
--يبدو أن صلاح الدين لم يرث من نور الدين سلطنة مصر والشام فقط.
_قل ما تُريده يا ولدي أمركَ فيه تعذيبي .
--والآن هل جاءت زوج السلطان كي تطمئن على سيرِ الأمورِ في طاعةِ زوجها؟
اطمئني يا سيدتي أنا على عهدي بالسلطان.
_سامحني يا ولدي
سامحني إن كنتَ تستطيع ، ويرد الابن :
--علام أُسامحك!؟
لم ترتكبي ذنباً ، ولم تفعلي حراماً يُحاسب الله عليه
_ذنبي أنني امرأة يا ولدي
امرأة ، تستوي في ذلك زوج السلطان وزوج الحمال .
علينا أن نكون للزوج متى شاء
وكيفما شاء .
وللولد كيفما شاء ومتى شاء
وللأب كذلك أيضاً
وكلهم يمثلها على صورة حاجته ، وهي لا تملك أن تكون لهم جميعاً في الساعة ذاتها ،
فإذا أحسنت دورا منها أُتهمت بالأخري .
وقيل: خرجت عن طبيعتها التي فُطرت عليها.
وإنما يعنون من الصورة التي يمثلها لها الرجل وفق حاجاتهم،ولا يخطر لهم أن اللهَ تعالى قد خلقها والرجل من نفسٍ واحدة .
يقرأون هذا في كتاب الله ثم يغفلون عنه :::::
من نفسٍ واحدة
من فطرةٍ واحدة
ففي جملتها بداخلها وفيها مثل ما في الرجلِ من المشاعرِ والأشواقِ والأحوالِ .
ولها مشيئة في نفسها كما له. .
فلماذا يُنكر عليها ما لايُنكر عليه؟.
ولماذا إذا ترمل الرجلُ حثه الناس على الإسراع في الزواج ؟
و يلحون عليه أن يفعل ذلك إذا طالَ مرض زوجته
أما إذا تزوجت الأرملة فكأنها خانت زوجها .
وكلهم يمثلها على صورة حاجته، وهي لا تملك أن تكون لهم جميعاً في الساعة ذاتها.
فإذا أحسنت دوراً منها أُتهمت بالأخرى.
وقيل: خرجت عن طبيعتها التي فُطرت عليها.
وإنما يعنون من الصورة التي يمثلها لها الرجل وفق حاجاتهم، ولا يخطر لهم أن اللهَ تعالى قد خلقها والرجل من نفسٍ واحدة.
يقرأون هذا في كتاب الله ثم يغفلون عنه:
من نفسٍ واحدة.. من فطرةٍ واحدة.
ففي جملتها بداخلها وفيها مثل ما في الرجلِ من المشاعرِ والأشواقِ والأحوالِ.
السلطانُ عدلُ يا ولدي
فهل هذا عدل؟؟
وهل يأخذُ الحاضرُ من الماضي؟
وهل يمحو الخير الخير؟
وهل يأخذ الحبُ من الحبِ
لا أُسببُ لكَ المزيد من الألمِ يا حبيبي
سأُغادر في الصباح غداً.
الله الله الله الله : راجعوا الحوار مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وتبين تأدب الابن السلطان الغيور علي أمه ، ورفق الأم المثقفة المستنيرة وقدرتها علي إبراز الحجة دون التطاول علي ابنها . لقد اعتمد المخرج والمؤلف علي فنيات الحوار الحجاجي ، وكذلك دموع الأم وإظهار غيرة الابن السلطان الصغير الأكبر من سنه وزواج أمه .
راجع حوار عصمت الدين خاتون مع ابنها السلطان .
دقق في أمارات حزن السلطان الصغير الطفل الغيور المحب لأمه .
تفحص وجه عصمة الدين خاتون ودموعها الصادقة . دقق في ملابس عصمة خاتون أرملة السلطان نور الدين وزوجة السلطان صلاح الدين ومدي تلاؤم الملابس والمكياج وكل شيء مع طبيعة الحدث . راجع الموسيقي التصويرية في تصوير هذه اللحظة . أنصت وأحسن الاستماع لتهدج صوت عصمة خاتون وهي تبكي استعطافا لولدها وحرصا علي ألا تكسر قلبه معترفة بضعفها كأنثي . وأخيرا أعلق علي هذا الحوار الممتع المستنير بكلمات بسيطة تليق بجماله :
لا تتعجبوا من أحكام القلب ، فقد يكون صلاح الدين استكمالا لسيرة نور الدين والأشبه به ، وأن عصمة الدين خاتون أحبت في الثاني شبهه بالأول ، وعليه ، فهي لم تحب رجلين ، وإنما أحبت واحدا تجلي في بطلين مجاهدين . الناصر صلاح الدين المحب لنور الدين محمود ، والمتم لحلمه التاريخي ، والمحقق له تزوج عصمة الدين خاتون كما يكون في بعض قري الصعيد والريف من زواج الأخ بزوجة أخيه المتوفي وفاء له ورعاية لأولاده .
والحق أقول إن زواج صلاح الدين بعصمة الدين لم يكن من هذا القبيل ، ولكن كان من باب تشابه الأرواح نور الدين وصلاح الدين وعصمة الدين فالثلاثة لهم حلم واحد وصفات واحدة .
أصدقائي الأعزاء الذين يدافعون عن حق المرأة في أن تحب مرة واتنين وتلاتة ........إلي مالا نهاية مثلها في ذلك كالرجل ::
بعد كلام عصمة الدين خاتون ومغالطاتها الحجاجية التي لا أستطيع مجابهتها أو الرد عليها أعتذر لكم ، وأوافقكم بس علي طريقة عصمت الدين خاتون. .
في النهاية، تظل عصمة الدين خاتون رمزًا للمرأة التي عاشت بحبّين، دون أن ينقص أحدهما من الآخر . فالحب ليس رياضياتٍ تُجمع أو تُطرح، بل هو إحساسٌ يتجدّد كلما وجد القلبُ من يستحقه.
ولعل أعظم ما في قصتها أنها لم تخجل من مشاعرها، بل واجهت المجتمعَ والابنَ والعرفَ بكلماتٍ تُذكّرنا بأن القلبَ لا يُحاكم