شبراوى خاطر يكتب : حرية التعبير .. هل هي عيب له ميزة، أم ميزة معيوبة


تناولت العديد من الأقلام في مصر ومنذ زمن بعيد مفهوم "حرية التعبير"، وازدادت حدتها بعد اعتراض الكثير من المثقفين وذوي الرأي والجمهور العام على محتوى دراما رمضان لهذا العام، وخاصة بعد إشارة رئيس الجمهورية إلى هذه القضية. وما إن حدث ذلك، حتى إنبرى كل من هب ودب، للحديث عن قضية محتوى الدراما التليفزيونية، وشُكلت لجان ومجالس، وأقيمت وتقام مؤتمرات وندوات، ونشرت مقالات، ومقابلات وبودكاستات وتعليقات، وصوْبت اتهامات وإنذارات وادعاءات. وطُرحت اقتراحات وحلول من الخبراء والدهماء على السواء.
وتكريساً لرأي قديم لحماية "حرية التعبير" قد أتفق مع مقولة الفيلسوف الفرنسي "ُفولتير": "أرفض ما تقوله، لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في قوله."
في المجتمعات المتحضرة تعتبر "حرية التعبير " من أثمن ثروات ومكتسبات أي مجتمع حر، حتى وإن كانت تلك الحرية سلاح ذو حدين، فبعض السلطات تراها ميزة لا يعيبها شيئ، والبعض الآخر يراها عيباً لا تميزها شيئاً، ولكن من وجهة نظري، دعونا نراها ميزة لها عيب، أو عيب له ميزة. فإذا أُجبر أي رأي ما على الصمت، فقد يكون هذا الرأي، على قدر ما يمكن أن يكون صحيحًا، وقد بفوتنا فرصة الاستفادة من صحة الرأي.
كما أن تجزئة مفهوم "حرية التعبير" إلى ما هو مسموح وما هو ممنوع، سواء كان ذلك في أروقة السياسة، أو المجالس النيابية، أو قاعات الدرس، أو إدارات الشركات والمؤسسات، وحضانات الأطفال، أو حتى المنتديات الإليكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي. فلا أحد يعلم الحقيقة كاملة، وأصلاً ، لا توجد حقيقة كاملة، وإنما دائماً نصف حقيقة. وكما قال إيراسموس في كتابه الأمير المسيحي: "في الدولة الحرة، يجب أن تكون الألسنة حرة أيضًا." فكما يتشدق نشطاء حرية التعبير بأن "الجمهور عايز كده" وأن الفن للفن، وأن الفن إنعكاس لما يدور في المجتمع. أو كما قال --جورج أورويل، في مزرعة الحيوانات: "إذا كانت الحرية تعني شيئًا، فهي تعني الحق في إخبار الناس بما لا يريدون تحمله." وربما نتفق بعض الشيء فيما قاله القاضي والنائب العام الأمريكي روبرت جاكسون : " ثمن حرية الدين، أو التعبير، أو الصحافة، هو أن نُلقي بكم في كمٍّ هائل من الهراء."
وفي النهاية، ليس الحل في إطلاق يد الرقابة لتخرص الألسنة وتكمم الأفواه. لأن أثمن الحقوق في هذا البلد، هي حرية الكتابة وقول ما يجول في خاطري... وتمتد هذه الحرية أيضًا إلى الأفكار الغبية أو الجاهلة. لا أحد يحتاج إلى تعديل في الدستور ليكتب بحرية عن روعة الأطفال حديثي الولادة أو لينشر وصفةً لكعكة الفراولة، أو إعداد مقالب في الشوارع، ولا أحد يحتاج إلى جهاز رسمي للرقابة لتفحص وجهات نظر بريئة أو شائعة، أو منشورات على وسائل التواصل تتألم من ارتفاع الأسعار، والتهكم من التصريحات مسئولي الحكومة المتضاربة. وكما قال احد المفكرين: أن الأغلبية، يجب أن تحمي دائمًا حق الأقلية - حتى لو كانت تلك الأقليةً شخص واحد - في التعبير عن أكثر الأفكار فظاعةً وإساءةً. حينها فقط تُضمن حرية التعبير الكاملة. وطبعاً قد لا أتفق تماماً مع هذا الرأي.
وهذا يدعونا إلى الإشارة بأن بناء الإنسان لا يستقيم مع منع حرية التفكير والتعبير والإبداع. ويمكن أن نلخص مسار الحرية إلى الازدهار: بأنه حيث تقود الحرية إلى الإبداع في التفكير والتعبير فإن الثقافة تتبعها، وحيث تقود الثقافة كأحد عناصر القوى الناعمة، فإن الصناعة تتبعها، وحيث تقود الصناعة، فإن التجارة تتبعها، ومحصلة هذا المسار هو الازدهار الاقتصادي ونماء التراث الثقافي الإنساني.