الإثنين 28 أبريل 2025 02:59 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د.محمد الطواب يكتب : مشكل النقد و النقاد الحاليين

د.محمد الطواب
د.محمد الطواب

إن مشكلة النقد و النقاد الحاليين تكمن فى
أنهم يستوردون المصطلحات الحديثة و المستحدثة عن الغرب بدون فهم سياقها الفلسفي والثقافي الغربي الذي نشأت فيه.
و قد يؤدي الإفراط في استخدام مصطلحات غريبة إلى إحجام القارئ عن متابعة النقد بسبب ابتعاد النقد عن خصوصية الأدب العربي وقيمه.
والمشكلة ليست بالصعوبة التى يتخيلها البعض و العلاج ببساطة هو التأصيل عند استخدام هذه المصطلحات الغربية، وتوضيح علاقتها بالبيئة العربية، وعدم التعامل معها كأمر واقع و حتى لا يتهمنا الآخريين بالجهل او عدم الإلمام بثقافات الغرب .
و على من يحاول استخدام هذه المصطلحات أن يقوم بترجمة هذه المصطلحات بدقة و بشرح مدى مؤامتها مع مفاهيمنا العربية للنقد و لا ينقلها إلينا بشكل حرفي فقط لمجرد أن يقال عنه انه من المثقفين و من النخبة و من المطلعين على ثقافات الغرب .
يجب أيضا السعي للجمع بين تراثنا النقدي العريق والمناهج الحديثة و اختيار ما يناسبنا منها دون فرضها علينا فرضا بالقوة الجبرية .
إن مهمة الناقد بالدرجة الاولى هى الكتابة بلغة مفهومة للمثقف العادي، و ليس بلغة معقدة تجعل النقد نخبويًا مغلقًا على الصفوة و الاكاديمين فقط .
و يجب أن يتحلى الناقد نفسه بموهبة النقد الذاتى لنفسه و لكتاباته باستمرار وأن يسألها أولا عما إذا كان ما يستخدمه من ألفاظ و مصطلحات و أسلوب نقدى يخدم النص فعلاً أم أنه مجرد استعراض عضلات و بطولات ثقافية زائفة ؟
و من أبرز الأمثلة على الاستخدام الخاطئ لبعض المصطلحات المستحدثة الغربية و الغريبة علينا مصطلح
التفكيكية (Deconstruction) و أصلها عند (جاك دريدا) الفيلسوف والناقد الأدبي الفرنسي-الجزائري
الأصل - وهى فى الحقيقة فلسفة معقدة تقوم على التشكيك في المعاني الثابتة ورفض وجود مركز ثابت للنص.
و النقاد العرب أخطأوا الفهم و ظنوا أن التفكيكية تعني ببساطة "تفكيك النص" أو "هدمه"، فصاروا يتعاملون مع النص وكأن المطلوب تحطيمه بدلا من فهمه نقديًا بعمق و أحيانا تأتى اطروحات البعض النقدية بشكل عبثى غامض و غير مفهوم
و كذلك اخطأوا فى فهم البنيوية Structuralismحيث ظنوا أنها تهتم فقط بالكشف عن البنية العميقة للنصوص من خلال العلاقات الداخلية، وليس بالمؤلف فقط أو بالسياق الخارجي. و ركزوا فقط على "الشكل"، وظنوا أن تجاهل المؤلف يكفيهم حتى يكونوا بنيويين
و تعددت أخطاؤهم فى استخدام مصطلحات الحداثة(Modernism) و أصبحوا يصفقون و يهللون لكل ما هو غريب و غير مفهوم حتى لا يقال عنهم أنهم غير مثقفين و لنا فى تجربة " المسرح التخريبى " القدوة و المثل على ذلك و كذلك فعلوا مع مصلح ما بعد الحداثة (Postmodernism) فانهم يستخدمونه كشعار واسع يمكن أن يكون منهجا أو أسلوبا لكل نص غريب أو نص غير منطقي.
المشكلة إذن ليست فى هذه المصطلحات ذاتها، لكن المشكلة الحقيقة هى في استيرادها و استخدامها بشكل عشوائى دون فهم جذورها الفكرية، ودون أدنى محاولة لاستخدامها بشكل يتوافق مع ثقافتنا و واقعنا الأدبى و الجغرافى .